أخاديد ، كل أخدود أربعون ذراعا ، وعرضه اثنا عشر ذراعا ، ثم طرحوا فيه النفط ، والحطب ، ثم عرضوهم عليها فمن أبى قذفوه فيها (١).
فصل في المراد بأصحاب الأخدود
قال ابن الخطيب (٢) : يمكن أن يكون المراد بأصحاب الأخدود : القاتلين ، ويمكن أن يكون المراد بهم : المقتولين ، والمشهور أنّ المقتولين هم : المؤمنون.
وروي أن المقتولين هم الجبابرة ، روي أنهم لما ألقوا المؤمنين في النار عادت النار على الكفّار فأحرقتهم ، ونجّى الله ـ تعالى ـ المؤمنين منها سالمين ، وإلى هذا القول ذهب الربيع بن أنس ، والواحدي ، وتأولوا قوله تعالى : (فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) [البروج : ١٠] أي : في الآخرة ، (وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) في الدنيا ، فإن فسّرنا أصحاب الأخدود بالقاتلين ، فيكون قوله : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) دعاء عليهم ، أي : لعن أصحاب الأخدود ، كقوله تعالى : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) [عبس : ١٧] ، (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) [الذاريات : ١٠].
أو يكون المعنى : قتلوا بالنار كما أرادوا قتل المؤمنين بالنار عادت النار عليهم فقتلتهم.
وإن فسّرنا أصحاب الأخدود بالمقتولين كان المعنى أن المؤمنين قتلوا بالإحراق بالنار ، فيكون ذلك خبرا لا دعاء.
فصل في المقصود من هذه الآية
المقصود من هذه الآية : تثبيت قلوب المؤمنين بإخبارهم بما كان يلقاه من قبلهم من الشدائد ، وذكر لهم النبي صلىاللهعليهوسلم قصة الغلام ليصبروا على ما يلقون من أذى الكفار ، ليتأسّوا بهذا الغلام في صده على الأذى والصلب وبذله نفسه في إظهار دعوته ، ودخول الناس في الدين مع صغر سنه ، وكذلك صبر الراهب على التمسّك بالحق حتى نشر بالمنشار ، وكذلك أكثر الناس لما آمنوا بالله تعالى.
قوله : (النَّارِ). العامة : على جرها ، وفيها أوجه :
أحدها : أنه بدل من «الأخدود» بدل اشتمال ؛ لأن «الأخدود» مشتمل عليها ، وحينئذ فلا بد من الضمير.
فقال البصريون : مقدر ، تقديره : النار.
وقال الكوفيون : «أل» قائمة مقام الضمير ، تقديره : ناره ، ثم حذف الضمير ، وعوّض عنه «أل» [وتقدم البحث معه في ذلك](٣).
__________________
(١) ينظر المصدر السابق.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ١٠٨.
(٣) سقط من : ب.