منه ناصر ، ويمهل العصاة على ما يشاء إلى أن يجازيهم ، ويعاجل بعضهم بالعقوبة إذا شاء ، فهو يفعل ما يريد.
قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢٢)
قوله : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) ، أي : قد أتاك يا محمد خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم [تسلية له بذلك](١).
قوله تعالى : (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ). يجوز أن يكون بدلا من الجنود ، وحينئذ فكان ينبغي أن يأتي البدل مطابقا للمبدل منه في الجمعية.
فقيل : هو على حذف مضاف ، أي : جنود فرعون.
وقيل : المراد فرعون وقومه ، واستغني بذكره عن ذكرهم ؛ لأنهم أتباعه.
ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار : أعني ؛ لأنه لما لم يطابق ما قبله وجب قطعه.
والمعنى : أنك قد عرفت ما فعل بهم حين كذبوا بأنبيائهم ورسلهم.
قوله : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) ، أي : هؤلاء الذين لا يؤمنون بك في تكذيب لك كدأب من قبلهم ، وإنما خصّ فرعون وثمود ؛ لأن ثمودا في بلاد العرب ، وقصتهم عندهم مشهورة ، وإن كانوا من المتقدّمين ، وأمر فرعون كان مشهورا عند أهل الكتاب وغيرهم ، وكان من المتأخرين في الهلاك فدلّ بهما على أمثالهما ، والله أعلم.
قوله : (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) ، أي : يقدر على أن ينزل بهم ما أنزل بفرعون ، والمحاط به المحصور.
وقيل : والله أعلم بهم فيجازيهم.
قوله : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) العامة : على تبعية مجيد ل «قرآن» ، وقرأ ابن (٢) السميفع بإضافة «قرآن» ل «مجيد».
فقيل : هو على حذف مضاف ، أي : قرآن رب مجيد.
كقوله : [الوافر]
٥١٥٨ ـ ولكنّ الغنى ربّ غفور (٣)
__________________
(١) في أ : سأله بذلك ثم بينهم.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٦٣ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٤٦ ، والدر المصون ٦ / ٥٠٤.
(٣) عجز بيت لعروة بن الورد وصدره :
قليل عيبه ، والعيب جمّ
ينظر : ديوان عروة ٩٢ ، والعقد الفريد ٣ / ٢٩ ، والإنصاف ١ / ٤٨ ، والبحر ٨ / ٤٤٦ ، والدر المصون ٦ / ٥٠٤.