تعالى : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) [يوسف : ٦٤] ، وقال تعالى : (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) [الأنبياء : ٤٣] وما كان مثله.
قال ابن الخطيب (١) : المعنى : لما كانت كل نفس عليها حافظ ، وجب أن يجتهد كل واحد ، ويشتغل بالمهم ، وأهم الأشياء معرفة المبدأ والمعاد والمبدأ يقدم.
قوله تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) (١٠)
قوله : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ) ، أي : ابن آدم ، «ممّ خلق» ، وجه الاتصال بما قبله وصية الإنسان بالنظر في أول أمره حتى يعلم أنّ من أنشأه قادر على إعادته وجزائه ، فليعمل ليوم الإعادة والحشر والجزاء ، ولا يملي على الحافظ إلا ما يسرّه في عاقبه أمره.
وقوله تعالى : (مِمَّ خُلِقَ) ، استفهام ، أي : من أيّ شيء خلق ، وهو جواب الاستفهام.
قوله : (مِنْ ماءٍ دافِقٍ). فاعل بمعنى مفعول [كعكسه في قولهم : سيل مفعم](٢) ، كقوله تعالى : (حِجاباً مَسْتُوراً) [الإسراء : ٤٥] على وجه.
وقيل : «دافق» على النسب ، أي : ذو دفق أو اندفاق.
وقال ابن عطية (٣) : يصح أن يكون الماء دافقا ؛ لأن بعضه يدفق بعضا ، أي : يدفقه ، فمنه دافق ، ومنه مدفوق انتهى.
والدّفق : الصّبّ ، ففعله متعدّ.
وقرأ زيد (٤) بن علي : «مدفوق» ، وكأنّه فسر المعنى.
قال القرطبيّ (٥) : الصبّ : دفق الماء ، دفقت الماء ، أدفقه دفقا ، أي : صببته فهو ماء دافق ، أي : مدفوق ، كما قالوا : سرّ كاتم ، أي : مكتوم ؛ لأنه من قولك : دفق الماء على ما لم يسم فاعله ، ولا يقال : دفق الماء ، ويقال : دفق الله روحه : إذا دعى عليه بالموت.
قال الفرّاء والأخفش : «ماء دافق» : أي مصبوب في الرّحم.
وقال الزجاج : «من ماء ذي اندفاق» ، يقال : دارع ، وفارس ، ونابل ، أي ذو فرس ودرع ونبل ، وهذا مذهب سيبويه.
والدّافق : هو المندفق بشدة قوته ، وأراد ماءين : ماء الرجل وماء المرأة ؛ لأن الإنسان مخلوق منهما ، لكن جعلهما ماء واحدا لامتزاجهما.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ١١٧.
(٢) سقط من : ب.
(٣) المحرر الوجيز ٥ / ٤٦٥.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٤٤٩ ، والدر المصون ٦ / ٥٠٧.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٥.