قال ابن الخطيب (١) : معنى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) أي : نزهه عن كل ما لا يليق به في ذاته ، وفي صفاته ، وفي أفعاله ، وفي أسمائه ، وفي أحكامه.
أمّا في ذاته ، فأن تعتقد أنها ليست من الجواهر والأعراض.
وأما في صفاته ، فأن تعتقد أنها ليست محدثة ولا متناهية ولا ناقصة.
وأمّا في أفعاله ، فأن تعتقد أنه سبحانه مالك مطلق لا اعتراض لأحد عليه في أمر من الأمور.
وقالت المعتزلة : هو أن تعتقد أن كل ما فعله صواب حسن ، وأنه سبحانه لا يفعل القبيح ، ولا يرضى به ، وأما في أسمائه : فأن لا تذكره ـ سبحانه وتعالى ـ إلّا بالأسماء التي لا توهم نقصا بوجه من الوجوه ، سواء ورد الإذن فيها أو لم يرد.
وأمّا في أحكامه : فهو أن تعلم أن ما كلفنا به ليس لنفع يعود إليه ، بل لمحض المالكية على قولنا ، أو لرعاية مصالح العباد على قول المعتزلة.
فصل فيمن استدل بالآية على أن الاسم نفس المسمى
قال ابن الخطيب (٢) : تمسّك بهذه الآية في أن الاسم نفس المسمى.
وأقول : الخوض في هذه المسألة لا يمكن إلا بعد الكشف عن محل النزاع ، فنقول : إن كان الاسم عبارة عن اللفظ ؛ والمسمى عبارة عن الذات ، فليس الاسم المسمى بالضرورة ، فكيف يمكن الاستدلال على ما علم بالضرورة؟ نعم هنا نكتة ، وهي أنّ الاسم هو اللفظ الدّال على معنى في نفسه من غير زمن ، والاسم كذلك ، فيكون اسما لنفسه ، فالاسم هنا نفس المسمى ، فعلى هذا يرد من أطلق ذلك ؛ لأن الحكم بالتعميم خطأ ، والمراد : الذي يدل على أن الاسم نفس المسمى هو أن أحدا لا يقول : سبحان الله وسبحان اسم ربنا ، فمعنى «سبح اسم ربك» سبح ربك ، والربّ أيضا اسم ، فلو كان غير المسمى لم يجز أن يقع التسبيح عليه.
وهذا الاستدلال ضعيف ، لما بيّنا أنه يمكن أن يكون واردا بتسبيح الاسم ، ويمكن أن يكون المراد : سبح المسمى ، وذكر الاسم صلة فيه ، ويكون المراد : سبح باسم ربك ، كما قال تعالى : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة : ٧٤] ، ويكون المعنى : سبح بذكر أسمائه.
فصل في تفسير الآية
روى أبو صالح عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : صلّ بأمر ربك الأعلى قال : وهو أن يقول : «سبحان ربّي الأعلى» (٣) وروي عن عليّ ـ رضي الله عنه ـ وابن عباس ، وابن
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي ٣١ / ١٢٤.
(٢) السابق.
(٣) ينظر المصدر السابق.