عمر ، وابن الزبير ، وأبي موسى ، وعبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنهم ـ كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة ، قالوا : «سبحان ربّي الأعلى» امتثالا لأمره في ابتدائها ، فيختار الاقتداء بهم في قراءتهم ، لا أن سبحان ربيّ الأعلى من القرآن ، كما قاله بعض أهل (١) الزّيغ.
وقيل : إنّها في قراءة أبيّ (٢) : «سبحان ربّي الأعلى».
وروى ابن الأنباري بإسناده إلى عيسى بن عمر عن أبيه ، قال : قرأ علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ في الصلاة : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ، ثم قال : سبحان ربي الأعلى ، فلما انقضت الصلاة ، قيل له : يا أمير المؤمنين ، أتزيد هذا في القرآن؟ قال : ما هو؟ قالوا : سبحان ربي الأعلى ، قال : لا ، إنما أمرنا بشيء فقلته (٣).
وعن عقبة بن عامر الجهنيّ ، قال : لما نزلت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «اجعلوها في سجودكم» (٤).
قال القرطبيّ (٥) : «هذا كله يدل على أن الاسم هو المسمى ؛ لأنهم لم يقولوا : سبحان اسم ربي الأعلى».
وقيل : معناه : ارفع صوتك بذكر ربك ؛ قال جرير : [الكامل]
٥١٧٦ ـ قبح الإله وجوه تغلب كلّما |
|
سبح الحجيج وكبّروا تكبيرا (٦) |
قوله : «الأعلى» : يجوز جره : «صفة» ل «ربك» ، ونصبه صفة ل «اسم» ، إلا أن هذا يمنع أن يكون «الذي» صفة ل «ربك» ، بل يتعين جعله نعتا ل «اسم» ، أو مقطوعا لئلا يلزم الفصل بين الصفة والموصوف بصفة غيره ؛ إذ يصير التركيب ، مثل قولك : جاءني غلام هند العاقل الحسنة ، فيفصل ب «العاقل» بين «هند» وبين صفتها. وتقدم الكلام في إضافة الاسم إلى المسمى.
قوله : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى).
قال ابن الخطيب (٧) : يحتمل أن يريد النّاس خاصة ، ويحتمل أن يريد الحيوان ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٤٢) ، عن علي وابن عمر وابن عباس. وينظر المصادر السابقة.
(٢) ونسبها الزمخشري لعلي ، ينظر : الكشاف ٤ / ٧٣٨ ، وفي المحرر الوجيز ٥ / ٤٦٨ نقلا عن الطبري أن ابن عمر وعليّا قرءا كذلك ، قال ابن عطية : وهي قراءة أبي موسى الأشعري ، وابن الزبير ، ومالك بن أبي دينار.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ١٢) ، وعزاه إلى ابن الأنباري.
(٤) تقدم تخريجه في آخر سورة الواقعة.
(٥) ينظر الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ١٢.
(٦) ينظر شرح ديوان جرير ص ٥٤٢ ، والإتقان في علوم القرآن ١ / ٣٦٣ والقرطبي ٢٠ / ١٢.
(٧) الفخر الرازي ٣١ / ١٢٦.