ويحتمل أن يريد كل شيء خلقه الله تعالى ، فمن حمله على الإنسان ذكر للتسوية وجوها :
أحدها : اعتدال قامته ، وحسن خلقته على ما قال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين : ٤] وأثنى على نفسه بسبب خلقه إياه بقوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ).
وثانيها : أن كل حيوان مستعد لنوع واحد من الأعمال فقط ، وأما الإنسان ، فإنه خلقه بحيث يمكنه أن يأتي بجميع الأعمال بواسطة الآلات.
وثالثها : أنه ـ تعالى ـ هيأه للتكليف ، والقيام بأداء العبادات.
قال بعضهم : خلق في أصلاب الآباء ، وسوّى في أرحام الأمهات ، ومن حمله على جميع الحيوانات ، فمعناه : أنه أعطى كلّ حيوان ما يحتاج إليه من آلات ، وأعضاء ، ومن حمله على جميع المخلوقات كان المراد من التسوية هو أنه ـ تعالى ـ قادر على كل الممكنات ، عالم بجميع المعلومات ، يخلق ما أراد على وفق إرادته موصوفا بالإحكام والإتقان ، مبرأ عن النقص والاضطراب.
قوله : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) ؛ قرأ الكسائيّ وعليّ ـ رضي الله عنه (١) ـ والسلميّ : «قدر» بتخفيف الدال ، والباقون : بالتشديد.
والمعنى : قدر كل شيء بمقدار معلوم.
ومن خفف ، قال القفّال (٢) : معناه : ملك فهدى ، وتأويله : أنه تعالى خلق كل شيء ، فسوى ، وملك ما خلق ، أي تصرف فيه كيف شاء وأراد هذا هو الملك ، فهداه لمنافعه ومصالحه.
ومنهم من قال : إنهما لغتان بمعنى واحد ، وعليه قوله تعالى : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) [المرسلات : ٢٣] بالتشديد والتخفيف ، وقد تقدم.
فصل في معنى الآية
قال مجاهد : قدّر الشقاوة والسعادة ، وهدى للرشد والضلالة ، وعنه : هدى الإنسان للسعادة والشقاوة ، وهدى الأنعام لمراعيها (٣).
وقيل : قدّر أقواتهم وأرزاقهم ، وهداهم لمعاشهم إن كانوا أناسا ، ولمراعيهم إن كانوا وحوشا.
__________________
(١) ينظر : السبعة ٦٨٠ ، والحجة ٦ / ٣٩٨ ، وإعراب القراءات ٢ / ٤٦٦ ، وحجة القراءات ٧٥٨ ، والقرطبي ٢٠ / ١٢.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ١٢٦.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٤٣) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٦٦) ، وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.