قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (١٥)
قوله : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى). أي : فعظ قومك يا محمد بالقرآن (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) أي : الموعظة ، و «إن» شرطية ، وفيه استبعاد لتذكرهم ؛ ومنه قوله : [الوافر]
٥١٨٠ ـ لقد أسمعت لو ناديت حيّا |
|
ولكن لا حياة لمن تنادي (١) |
وقيل : «إن» بمعنى : «إذا» كقوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: ١٣٩] أي : إذا كنتم مؤمنين.
وقيل : هي بمعنى : «قد» ذكره ابن خالويه ، وهو بعيد.
وقيل : بعده شيء محذوف ، تقديره : إن نفعت الذكرى ، وإن لم تنفع ، كقوله : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] ، قاله الفراء والنحاس والجرجاني والزهراوي.
وقيل : إنّه مخصوص في قوم بأعيانهم.
وقيل : «إن» بمعنى : «ما» أي : فذكر ما نفعت الذّكرى ، فتكون «إن» بمعنى : «ما» لا بمعنى : الشرط ؛ لأن الذكرى نافعة بكل حال. قاله ابن شجرة.
فصل في فائدة هذا الشرط
قال ابن الخطيب (٢) : إنّه صلىاللهعليهوسلم كان مبعوثا إلى الكل ، فيجب عليه تذكيرهم سواء إن نفعت الذكرى ، أو لم تنفعهم ، فما فائدة هذا الشرط ، وهو قوله : (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى)؟ والجواب من وجوه : إمّا أن يكون المراد : التنبيه على أشرف الحالين ، وهو وجود النفع الذي لأجله شرعت الذكرى ، قال : والمعلق ب «إن» على الشيء لا يلزم أن يكون عدما عند عدم ذلك الشيء ، ويدل عليه آيات منها هذه الآية ، ومنها قوله تعالى : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة : ١٧٢] ، ومنها قوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ) [النساء : ١٠١] ، فإن القصر جائز عند الخوف وعدمه ، ومنها قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) [البقرة : ٢٣٠] ، والمراجعة جائزة بدون هذا الظنّ ، وإذا كان كذلك ، فهذا الشرط فيه فوائد منها ما تقدم ، ومنها : البعث على الانتفاع بالذكرى ، كما يقول الرجل لمن يرشده : قد أوضحت لك إن كنت تعقل ، وهو تنبيه للنبيصلىاللهعليهوسلم على أنه لا تنفعهم الذكرى ، أو يكون هذا في تكرير الدعوة ، فأما الدعاء الأول فعام.
__________________
(١) ينظر : البحر ٨ / ٤٥٤ ، والدر المصون ٦ / ٥١٠.
(٢) ينظر الفخر الرازي ٣١ / ١٣١.