في «يومئذ» ؛ عوض من جملة ، مدلول عليها باسم الفاعل من «الغاشية» ، تقديره : يومئذ غشيت الناس ؛ إذ لا تتقدم جملة مصرح بها ، و «خاشعة» وما بعدها صفة.
فصل في تفسير الآية
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : لم يكن أتاه حديثهم ، فأخبره عنهم ، فقال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) أي : يوم القيامة ، (خاشِعَةٌ)(١).
قال سفيان : أي : ذليلة بالعذاب ، وكل متضائل ساكن خاشع (٢).
يقال : خشع في صلاته إذا تذلل ونكس رأسه ، وخشع الصوت : إذا خفي ، قال تعالى : (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ) [طه : ١٠٨].
[والمراد بالوجوه أصحاب الوجوه.
قال قتادة وابن زيد : خاشعة أي في النار ، والمراد بالوجوه وجوه الكفار كلهم قاله يحيى بن سلام (٣). وقال ابن عباس : أراد وجوه اليهود والنصارى (٤)](٥).
قوله تعالى : (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) هذا في الدنيا ؛ لأن الآخرة ليست دار عمل ، فالمعنى : وجوه عاملة ناصبة في الدنيا خاشعة في الآخرة.
قال أهل اللغة : يقال للرجل إذا دأب في سيره : قد عمل يعمل عملا ، ويقال للسحاب إذا دام برقه : قد عمل يعمل عملا.
وقوله : «ناصبة» أي : تعبة ، يقال : نصب ـ بالكسر ـ ينصب نصبا : إذا تعب ونصبا أيضا ، وأنصبه غيره.
قال ابن عباس : هم الذين أنصبوا أنفسهم في الدنيا على معصية الله تعالى ، وعلى الكفر مثل عبدة الأوثان ، والرهبان ، وغيرهم ، ولا يقبل الله ـ تعالى ـ منهم إلّا ما كان خالصا له (٦).
وعن علي ـ رضي الله عنه ـ أنهم الخوارج الذين ذكرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «تحقّرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وأعمالكم مع أعمالهم ، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرميّة» الحديث (٧).
__________________
(١) ينظر المصدر السابق.
(٢) ينظر المصدر السابق ومثله عن قتادة أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٥٥١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٧٢) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٦ / ٢٥٧) والقرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ١٩).
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٧٣) وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
(٥) سقط من : ب.
(٦) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٢٠).
(٧) ينظر المصدر السابق ، وتقدم تخريج الحديث.