قال شهاب الدين (١) : وعلى قول الزمخشري المتقدم لا يلزم أن يكون منقطعا ، إذ المراد نفي الشيء بدليله أي : إن كان لهم طعام ، فليس إلا هذا الذي لا يعده أحد طعاما ، ومثله : ليس له ظل إلا الشمس وقد مضى تحقيق هذا عند قوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى)(٢) وقوله : [الطويل]
٥١٨٤ ـ ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
.......... (٣) |
ومثله كثير.
فصل في المراد بالآية
المعنى : أن طعامهم ليس من جنس طعام الإنس ؛ لأنه نوع من أنواع الشوك ، والشوك مما ترعاه الإبل ، وهذا النوع مما تنفر عنه الإبل ، فإذن منفعة الغذاء منتفية عنه ، وهما : إماطة الجوع ، وإفادة القوة والسمن في البدن أو يكون المعنى : ليس لهم طعام أصلا ؛ لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الإنسان ؛ لأن الطعام ما أشبع أو أسمن.
قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية ، قال المشركون : إن إبلنا لتسمن بالضريع ، فنزلت : (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) وكذا فإن الإبل ترعاه رطبا ، فإذا يبس لم تأكله.
وقيل : اشتبه عليهم أمره ، فظنوه كغيره من النّبت النافع ؛ لأن المضارعة المشابهة ، فوجدوه لا يسمن ولا يغني من جوع ، فيكون المعنى : أن طعامهم من ضريع لا يسمن من جنس ضريعكم ، إنما هو من ضريع غير مسمن ، ولا مغن من جوع.
قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) (١٦)
قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ). أي : ذات نعمة ، وهي وجوه المؤمنين ، نعمت بما عاينت من عاقبة أمرها (٤)
وقيل : ذات بهجة وحسن ، لقوله تعالى : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) [المطففين : ٢٤] ، أي : متنعمة «لسعيها» ، أي : لعملها الذي عملته في الدنيا «راضية» في الآخرة حين أعطيت الجنة بعملها ، وفيها واو مضمرة ، والتقدير : ووجوه يومئذ ، ليفصل بينها ، وبين الوجوه المتقدمة ، والوجوه عبارة عن الأنفس.
__________________
(١) الدر المصون ٦ / ٥١٣.
(٢) سورة الدخان أية ٥٦.
(٣) تقدم.
(٤) زاد في أ : لما ذكر تعالى وعيد الكفار أتبعه بشرح أحوال المؤمنين.