قال القرطبيّ (١) : وقدم الإبل في الذكر ، ولو قدم غيرها لجاز.
قال القشيريّ : وليس هذا مما يطلب فيه نوع حكمة.
قوله : (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) ، أي : رفعت عن الأرض بغير عمد بعيدة المدى.
وقيل : رفعت فلا ينالها شيء.
قوله : (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) نصبا ثابتا راسخا لا يميل ولا يزول ، وذلك أن الأرض لما دحيت مادت ، فأرساها بالجبال ، كما قال تعالى : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) [الأنبياء : ٣١].
قوله : (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) ممهدة ، أي : بسطت ومدت ، واستدل بعضهم بهذا على أن الأرض ليست بكرة.
قال ابن الخطيب (٢) : وهو ضعيف ؛ لأن الكرة إذا كانت في غاية العطمة تكون كل قطعة منها كالسطح.
فإن قيل : ما المناسبة بين هذه الأشياء؟.
فالجواب : قال الزمخشريّ (٣) : من فسّر الإبل بالسحاب ، فالمناسبة ظاهرة ، وذلك تشبيه ومجاز ، ومن حملها على الإبل ، فالمناسبة بينها وبين السماء والأرض والجبال من وجهين :
الأول : أن القرآن نزل على العرب ، وكانوا يسافرون كثيرا ، وكانوا يسيرون عليها في المهامه والقفار ، مستوحشين منفردين عن الناس ، والإنسان إذا انفرد أقبل على التفكّر في الأشياء ؛ لأنه ليس معه من يحادثه ، وليس هناك من يشغل به سمعه وبصره ، فلا بد من أن يجعل دأبه الفكر ، فإذا فكر في تلك الحال ، فأوّل ما يقع بصره على الجمل الذي هو راكبه ، فيرى منظرا عجيبا ، وإن نظر إلى فوق لم ير غير السماء ، وإذا نظر يمينا وشمالا لم ير غير الجبال ، وإذا نظر إلى تحت لم ير غير الأرض ، فكأنه تعالى أمره بالنظر وقت الخلوة والانفراد ، حتى لا تحمله داعية الكبر والحسد على ترك النّظر.
الثاني : أن جميع المخلوقات دالة على الصانع ـ جلت قدرته ـ إلا أنها قسمان : منها ما للشهوة فيه حظّ كالوجه الحسن ، والبساتين للنّزهة ، والذهب والفضة ، ونحوها ، فهذه مع دلالتها على الصّانع ، قد يمنع استحسانها عن إكمال النظر فيها.
ومنها ما لا حظّ فيه للشهوة كهذه الأشياء ، فأمر بالنظر فيها ، إذ لا مانع من إكمال النظر.
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٢٥.
(٢) الفخر الرازي ٣١ / ١٤٤.
(٣) الكشاف ٤ / ٧٤٥ ، والرازي ٣١ / ١٤٤.