بعض صحارى عدن ، في ثلاثمائة سنة ، وكان عمره تسعمائة سنة ، وهي مدينة عظيمة ، قصورها من الذهب ، والفضة ، وأساطينها من الزّبرجد والياقوت ، وفيها أصناف الأشجار والأنهار ، ولما تمّ بناؤها سار إليها بأهل مملكته ، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة ، بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا.
وعن عبد الله بن قلابة : أنه خرج في طلب إبل له ، فوقع عليها ، فحمل مما قدر عليه مما هنا ، وبلغ خبره معاوية ، فاستحضره ، فقص عليه ، فبعث إلى كعب فسأله ، فقال : هي إرم ذات العماد ، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك ، أحمر أشقر ، قصير ، على حاجبه خال ، وعلى عقبه خال ، يخرج في طلب إبل له ، ثم التفت ، فأبصر ابن قلابة ، وقال : هذا والله ذلك الرجل.
فصل في إجمال القول في الكفار هاهنا
ذكر الله ـ تعالى ـ هاهنا ـ قصة ثلاث فرق من الكفار المتقدمين ، وهم : عاد ، وثمود ، وقوم فرعون ، على سبيل الإجمال حيث قال : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) ، ولم يبين كيفية ذلك العذاب ، وبين في سورة : «الحاقّة» ، ما أبهم (١) في هذه السورة ، فقال تعالى : (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) ، إلى قوله : (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ) [الحاقة : ٢ و ٩].
قوله : (وَثَمُودَ).
قرأ العامة بمنع الصرف.
وابن وثاب (٢) : يصرفه ، والذي يجوز فيه ما تقدم في : (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ).
و «جابوا» أي : قطعوا ، ومنه : فلان يجوب البلاد ، أي : يقطعها سيرا ؛ قال : [البسيط]
٥١٩٦ ـ ما إن رأيت قلوصا قبلها حملت |
|
ستّين وسقا ولا جابت به بلدا (٣) |
وجاب الشيء يجوبه : أي : قطعه ، ومنه سمي جيب القميص ؛ لأنه جيب ، أي قطع.
وقوله : «بالواد» : متعلق إما ب «جابوا» أي : فيه ، وإما بمحذوف على أنه حال من «الصّخر» ، أو من الفاعلين.
وأثبت في الحالين : ابن كثير وورش بخلاف عن قنبل ، فروي عنه إثباتها في
__________________
(١) في ب أصابهم.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٧٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٦٥ ، والدر المصون ٦ / ٥١٩.
(٣) ينظر القرطبي ٢٠ / ٣٣ ، والبحر ٨ / ٤٦٢ ، واللسان (حوب) ، والدر المصون ٦ / ٥١٩.