يعني : بالتعليق من حيث المعنى ، وكيف عطفت هذه الجملة التفصيلية على ما قبلها مترتبة عليه ، قوله : «لا يريد إلا الطّاعة» على مذهبه ، ومذهب أهل السنة : أن الله يريد الطاعة وغيرها ، ولو لا ذلك لم يقع ثم من لا يدخل في ملكه ما لا يريد ، وإصلاح العبارة أن نقول : إن الله يريد من العبد والإنسان من غير حصر.
ثم قال : فإن قلت : كيف توازن قوله تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) ، وقوله: (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ) ، وحق التوازن أن يتقابل الواقعان بعد «أما» و «أما» تقول : أما الإنسان فكفور ، وأما الملك فشكور ، أمّا الإنسان أحسنت إلى زيد ، فهو محسن إليك ، وأمّا إذا أسأت إليه ، فهو مسيء إليك.
قلت : هما متوازنان من حيث إنّ التقدير : وأما هو إذا ما ابتلاه ، وذلك أن قوله (فَيَقُولُ: رَبِّي أَكْرَمَنِ) : خبر المبتدأ ، الذي هو «الإنسان» ، ودخول الفاء لما في «أما» من معنى الشرط ، والظرف المتوسط بين المبتدأ والخبر في نية (١) التأخير ، كأنه قيل : فأما الإنسان فقائل : ربي أكرمني وقت الابتلاء ، فوجب أن يكون «فيقول» الثاني : خبرا لمبتدأ واجب تقديره.
فصل في المراد بالإنسان
قال ابن عبّاس : المراد بالإنسان : عتبة بن ربيعة ، وأبو حذيفة بن المغيرة (٢).
وقيل : أمية بن خلف.
وقيل : أبي بن خلف.
(إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) أي : امتحنه ، واختبره بالنعمة ، و «ما» زائدة صلة ، «فأكرمه» بالمال ، و «نعّمه» بما أوسع عليه ، «فيقول : ربّي أكرمن» ، فيفرح بذلك ، ولا يحمده.
(وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ) أي : امتحنه بالفقر واختبره ، «فقدر» أي : ضيق ، «عليه رزقه» على مقدار البلغة ، (فَيَقُولُ : رَبِّي أَهانَنِ) أي : أولاني هوانا ، وهذه صفة الكافر ، الذي لا يؤمن بالبعث ، وإنما الكرامة عنده ، والهوان بكثرة المال والحظ في الدنيا ، وقلته ، فأمّا المؤمن ، فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته ، وتوفيقه ، المؤدي إلى حظ الآخرة ، وإن وسع عليه في الدنيا حمده وشكره.
قال القرطبيّ (٣) : الآيتان صفة كلّ كافر ، وكثير من المسلمين يظن أن ما أعطاه الله لكرامته ، وفضيلته عند الله ، وربما يقول بجهله : لو لم أستحق هذا ، لم يعطينيه الله ،
__________________
(١) في ب : تقدير.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٣٥) عن ابن عباس.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٣٥.