كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) يدل على أن «لا» بمعنى : «لم» ، ولا يلزم التكرير مع «لم» ، فإن كررت «لا» كقوله : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) ، فهو كقوله تعالى : (لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) [الفرقان : ٦٧].
فصل في معنى الآية
المعنى : فهلّا أنفق ماله في اقتحام العقبة ، الذي يزعم أنه أنفقه في عداوة محمدصلىاللهعليهوسلم هلا أنفقه في اقتحام العقبة ، فيأمن ، والاقتحام : الرمي بالنفس في شيء من غير روية ، يقال منه : قحم في الأمر قحوما ، أي : رمى بنفسه فيه من غير روية ، وقحّم الفرس فارسه تقحيما على وجهه : إذا رماه وتقحيم النفس في الشيء : إدخالها فيه من غير روية ، والقحمة ـ بالضم ـ المهلكة والسّنة الشديدة ، يقال : أصاب العرب القحمة : إذا أصابهم قحط [فدخلوا الريف](١) والقحم : صعاب الطريق.
قال عطاء : يريد عقبة جهنم (٢).
وقال مجاهد والضحاك : هي الصراط (٣).
قال الواحدي : وهذا فيه نظر ؛ لأن من المعلوم أن هذا الإنسان وغيره ، لم يقتحموا عقبة جهنم ، ولا جاوزوها.
وقال ابن العربي : قال مجاهد : اقتحام العقبة في الدنيا ؛ لأنه فسره بعد ذلك ، بقوله : (فَكُّ رَقَبَةٍ) أو أطعم في يوم يتيما ، أو مسكينا ، وهذه الأعمال إنما تكون في الدنيا (٤).
وقال الحسن ومقاتل : هذا مثل ضربه الله تعالى ، لمجاهدة النفس ، والشيطان في أعمال البر(٥).
قال القفال (٦) : قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) ، معناه : فلا أنفق ماله فيما فيه اقتحام العقبة.
وقيل : معنى قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ) دعاء ، أي : فلا نجا ولا سلم ، من لم ينفق ماله في كذا وكذا.
وقيل : شبه عظيم الذنوب ، وثقلها بعقبة ، فإذا أعتق رقبة ، أو عمل صالحا ، كان مثله مثل من اقتحم العقبة ، وهي الذنوب تضره ، وتؤذيه وتثقله.
ثم قال تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ).
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (٣١ / ١٦٧).
(٣) ذكره الماوردي (٦ / ٢٧٨) والقرطبي (٢٠ / ٤٥).
(٤) ينظر المصدر السابق.
(٥) ذكره الماوردي (٦ / ٢٧٨) والقرطبي (٢٠ / ٤٥).
(٦) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ١٦٧.