[وقال مجاهد : وكذب بالحسنى أي بالجنة ، وعنه : بلا إله إلا الله (١). فنيسره للعسرى أي نسهل عليه طريقة العسرى للشر ، وعن ابن مسعود : أي للنار](٢).
قوله : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) يدل على أن التوفيق والخذلان من الله تعالى لأن التيسير يدل على الرجحان ولزم الوجوب ، لأنه لا واسطة بين الفعل والترك ، ومع الاستواء لا ترجيح فحال المرجوحية أولى بالامتناع ، ومتى امتنع أحد الطرفين وجب الآخر إذ لا خروج عن النقيضين. أجاب القفال (٣) : أنه من باب تسمية أحد الضدين باسم الآخر ، كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ) [الشورى : ٤٠] فسمى الله الألفاظ الداعية إلى الطّاعة تيسيرا لليسرى ، وسمى ترك هذه الألفاظ تيسيرا للعسرى ، أو هو من باب إضافة الفعل إلى السبب دون الفاعل ، كقوله تعالى : (إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً) [إبراهيم : ٣٦] ، أو يكون على سبيل الحكم ، والإخبار عنه.
وأجيب بأن هذا كله عدول عن الظاهر ، والظاهر من جهتنا وهو المقصود من الحديث المتقدم : «ما من نفس منفوسة».
قال القفال (٤) : معنى الحديث : أن النّاس خلقوا للعبادة ، قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] ، وهذا ضعيف ؛ لأن هذا جواب عن قولهم : «ألا نتّكل»؟ فقال : اعملوا فكلّ ميسر ، لما وافق معلوم الله تعالى.
فصل في اليسرى والعسرى
التأنيث في «اليسرى» و «العسرى» إن أريد جماعة الأعمال فظاهر ، وإن أريد عمل من الأعمال باعتبار الخصلة ، أو الفعلة ، أو الطريقة ، فمن فسر اليسرى بالجنة ، فتيسيرها بإكرام ، وسهولة ، ومن فسرها بالخير ، فتيسيره حضّه عليه ونشاطه ، بخلاف المنافق والمرائي ، ودخلت السين في «فسنيسّره» بمعنى الترجي ، وهذا يفيد القطع من الله تعالى ، أو لأن الأعمال بالخواتيم ، فقد يعصي المطيع ، وبالعكس ، أو لأن أكثر الثواب يكون بالآخرة ، وهي متأخرة.
قوله : (وَما يُغْنِي) ، يجوز أن تكون «ما» نافية ، أي : لا يغني عنه ماله شيئا ، وأن تكون استفهاما إنكاريا ، أي : أيّ شيء يغني عنه ماله إذا هلك ، ووقع في جهنم وتردى ، ويروى إما من الهلاك يقال : ردي الرجل يردى ، إذا هلك ؛ قال : [الطويل]
٥٢٢٦ ـ صرفت الهوى عنهنّ من خشية الرّدى (٥)
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٦١٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦٠٥) وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) سقط من ب.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ١٨٢.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ١٨٢.
(٥) ينظر القرطبي ١٩ / ٥٨.