ولا نسوءك» (١) وقال حرب بن شريح : سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : إنكم يا معشر أهل العراق تقولون : إنّ أرجى آية في كتاب الله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [الزمر : ٥٣] قالوا : إنا نقول ذلك ، قال : ولكنا أهل البيت نقول : إن أرجى آية في كتاب الله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى).
وقيل : يعطيك ربك من الثواب ، وقيل : من النصر ، فترضى. وقيل : الحوض والشفاعة.
فصل في الكلام على انقطاع الوحي
وجه النظم ، كأنه قيل : انقطاع الوحي لا يكون عزلا عن النبوّة ، بل غايته أنه أمارة الموت للاستغناء عن الرسالة ، فإن فهمت منه قرب الموت ، فالموت خير لك من الأولى ، وفهم النبيصلىاللهعليهوسلم من الخطاب بقوله : ما ودعك ربك وما قلى تشريفا عظيما ، فقيل له : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) ، أي : أنّ الأحوال الآتية خير لك من الماضية ، فهو وعد بأنه سيزيده عزّا إلى عزّه ، وبيان أن الآخرة خير ، كأنه صلىاللهعليهوسلم يفعل فيها ما يريد ، ولأنه آثرها فهي ملكه ، وملكه خير مما لا يكون ملكه ، أو لأن الكفار يؤذونك وأمتك في الدنيا ، وأما في الآخرة فهم شهداء على الناس ، أو لأن خيرات الدنيا قليلة مقطوعة ، ولم يقل : خير لك ، لأن فيهم من الآخرة شر له ، فلو ميزهم لافتضحوا ، ثم أخبر الله تعالى عن حاله التي كان عليها قبل الوحي ، وذكره نعمه ، فقال :
قوله تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(١١)
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) ، العامة على : «فآوى» بألف بعد الهمزة رباعيا.
وأبو الأشهب (٢) : «فأوى» ثلاثيا.
قال الزمخشري (٣) : «وهو على معنيين : إما من «أواه» بمعنى «آواه» سمع بعض الرعاة يقول : أين آوي هذه الموقسة؟ وإما من أوى له ، إذا رحمه». انتهى.
وعلى الثاني قوله : [الطويل]
٥٢٤٠ ـ أراني ولا كفران لله أيّة |
|
لنفسي لقد طالبت غير منيل (٤) |
__________________
(١) أخرجه مسلم في «صحيحه» (١ / ١٩١) كتاب الإيمان : باب دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم لأمته (٣٤٦ ـ ٢٠٢) والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ٥٠٨) من حديث عبد الله بن عمرو.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٩٤ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٨١ ، والدر المصون ٦ / ٥٣٨.
(٣) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٦٨.
(٤) ينظر اللسان (أوا) ، والبحر ٨ / ٤٨١ ، وحاشية الدسوقي على المغني ٢ / ٥١ ، و ٦ / ٥١٨.