أي : رحمة لنفسي ، ووجه الدلالة من قوله «أين آوي هذه» ، أنه لو كان من الرباعي [لقال : أأوي ـ بضم الهمزة الأولى وسكون الثانية ـ لأنه مضارع آوى مثل أكرم ، وهذه الهمزة] المضمومة هي حرف المضارعة ، والثانية هي فاء الكلمة ، وأما همزة «أفعل» فمحذوفة على القاعدة ، ولم تبدل هذه الهمزة كما أبدلت في «أومن» لئلا يستثقل بالإدغام ، ولذلك نص الفراء على أن «تؤويه» من قوله تعالى (وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) [المعارج : ١٣] لا يجوز إبدالها للثقل.
فصل
قال ابن الخطيب (١) : «يجدك» من الوجود الذي بمعنى العلم ، والمفعولان منصوبان ب «وجد» ، والوجود من الله العلم ، والمعنى : ألم يعلمك الله يتيما فآوى.
قال القرطبي (٢) : «يتيما» لا أب لك ، قد مات أبوك ، «فآوى» ، أي : جعل لك مأوى تأوي إليه عند عمك أبي طالب ، فكفلك.
وقيل لجعفر بن محمد الصادق : لم أوتم النبي صلىاللهعليهوسلم من أبويه؟.
فقال : لئلّا يكون لمخلوق عليه حق.
وعن مجاهد : هو من قول العرب : درة يتيمة إذا لم يكن لها مثل ، فمجاز الآية ألم يجدك واحدا في شرفك ، لا نظير لك ، فآواك الله بأصحاب يحفظونك ، ويحوطونك.
فصل في جواب سؤال
أورد ابن الخطيب هنا سؤالا : وهو أنه كيف يحسن من الجواد أن يمن بنعمه ، فيقول : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) ، ويؤكد هذا السؤال أن الله ـ تعالى ـ حكى عن فرعون قوله لموسى عليه الصلاة والسلام : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) [الشعراء : ١٨] في معرض الذّم لفرعون فما كان مذموما من فرعون ، كيف يحسن من الله تعالى؟ قال : والجواب (٣) : أن ذلك يحسن إذا قصد بذلك تقوية قلبه ، ووعده بدوام النعمة ، ولهذا ظهر الفرق بين هذا الامتنان ، وبين امتنان فرعون ، لأن امتنان فرعون معناه : فما بالك لا تخدمني ، وامتنان الله تعالى : زيادة نعمه ، كأنه يقول : ما لك تقطع عني رجاءك ، ألست شرعت في تربيتك أتظنني تاركا لما صنعته ، بل لا بد وأن أتمّ النعمة كما قال تعالى : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٥٠].
فإن قيل : إن الله تعالى منّ عليه بثلاثة أشياء ، ثم أمره أن يذكر نعمة ربه ، فما وجه المناسبة؟.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ١٩٤.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٦٥.
(٣) الفخر الرازي ٣١ / ١٩٥.