وفي هذا نظر ؛ لأن الكوفيين يجوزون مثل هذا ، واستدلوا عليه بأبيات وآيات تقدم الكلام عليها مستوفى في أوائل هذا الموضوع.
وقال ابن عطية : و «ثم» ظرف والعامل فيه «رأيت» أو معناه ، والتقدير : رأيت ما ثم فحذفت ما.
قال أبو حيان (١) : وهذا فاسد ؛ لأنه من حيث جعله معمولا ل «رأيت» لا يكون صلة ل «ما» ؛ لأن العامل فيه إذ ذاك محذوف : أي ما استقر ثم.
قال شهاب الدّين (٢) : ويمكن أن يجاب عنه ، بأن قوله أو معناه هو القول بأنه صلة لموصول فيكونان وجهين لا وجها واحدا حتى يلزمه الفساد ، ولو لا ذلك لكان قوله أو معناه لا معنى له ، ويعني بمعناه أي معنى الفعل من حيث الجملة ، وهو الاستقرار المقدر.
والعامة على فتح الثاء من «ثمّ» كما تقدم.
وقرأ حميد الأعرج بضمها ، على أنها العاطفة ، وتكون قد عطفت «رأيت» الثاني على الأول ويكون فعل الجواب محذوفا ، ويكون فعل الجواب المحذوف هو الناصب لقوله «نعيما» والتقدير : وإذا صدرت منك رؤية ثم صدرت رؤية أخرى رأيت نعيما وملكا ؛ فرأيت هذا هو الجواب.
فصل
واعلم أنه تعالى ذكر بعد ذلك من يكون خادما في تلك المجالس.
فقال (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) وقد تقدم تفسير هذين الوصفين في سورة الواقعة والأقرب أن المراد به دوام كونهم على تلك الصورة التي لا يراد في الخدم أبلغ منها ، وذلك يتضمن دوام حياتهم وحسنهم ومواظبتهم على الخدمة الحسنة الموافقة ، قال الفراء يقال مخلدون مسورون ويقال مقرطون ، وروى نفطويه عن ابن الأعرابي مخلدون محلون.
والصفة الثالثة : قوله تعالى (إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) وفي كيفية التشبيه وجوه:
أحدها : شبهوا في حسنهم وصفاء ألوانهم وانتشارهم في مجالسهم ومنازلهم عند اشتغالهم بأنواع الخدمة باللؤلؤ المنثور ولو كان صفا لشبهوا باللؤلؤ المنظوم ؛ ألا ترى أنه تعالى قال (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) فإذا كانوا يطوفون كانوا متناثرين.
وثانيها : أنهم شبهوا باللؤلؤ الرطب إذا انتثر من صدفه لأنه أحسن وأكثر ماء.
__________________
(١) ينظر البحر المحيط ٨ / ٣٩١.
(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٤٤٧.