بضميرها ، أو بالألف واللام ومن هنا قيل : «لن يغلب عسر يسرين».
وقال الزمخشريّ (١) أيضا فإن قلت : «إن «مع» للصحبة ، فما معنى اصطحاب اليسر والعسر؟ قلت : أراد أن الله ـ تعالى ـ يصيبهم بيسر بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب ، فقرب اليسر المترقب ، حتى جعله كالمقارن للعسر زيادة في التسلية ، وتقوية للقلوب.
وقال أيضا فإن قلت : فما معنى هذا التنكير؟.
قلت : التفخيم كأنه قيل : إنّ مع العسر يسرا عظيما ، وأي يسر ، وهو في مصحف ابن مسعود (٢) مرة واحدة.
فإن قلت : فإذا ثبت في قراءته غير مكرر فلم قال : والذي نفسي بيده لو كان العسر في حجر لطلبه اليسر ، حتى يدخل عليه ، إنه لن يغلب عسر يسرين؟.
قلت : كأنه قصد اليسرين ، أما في قوله : «يسرا» من معنى التفخيم ، فتأوله بيسر الدّارين ، وذلك يسران في الحقيقة.
فصل في تعلق هذه الآية بما قبلها
تعلق هذه الآية بما قبلها أن الله تعالى بعث نبيه صلىاللهعليهوسلم فعيّره المشركون بفقره ، حتى قالوا له : نجمع لك مالا ، فاغتم لذلك ، وظن أنهم إنما رغبوا عن الإسلام لكونه فقيرا حقيرا عندهم ، فعدد الله ـ تعالى ـ عليه منته بقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) ، أي : ما كنت فيه من أمر الجاهلية ، ثم وعده بالغنى في الدنيا ليزيل في قلبه ما حصل فيه من التأذي ، بكونهم عيّروه بالفقر ، فقال تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) فعطفه بالفاء أي : لا يحزنك ما عيروك به في الفقر ، فإن مع ذلك يسرا عاجلا في الدنيا فأنجز له ما وعده ، فلم يمت ، حتى فتح عليه «الحجاز» ، و «اليمن» ووسع عليه ذات يده ، حتّى كان يعطي الرجل المائتين من الإبل ، ويهب الهبات السنية ، وترك لأهله قوت سنته ، وهذا وإن كان خاصا بالنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقد يدخل فيه بعض أمته صلىاللهعليهوسلم إن شاء الله تعالى ، ثم ابتدأ فصلا آخر من أمر الآخرة، فقال : (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) فهذا شيء آخر ، والدليل على ابتدائه ، تعديه من فاء ، وواو ، وغيرهما من حروف النسق التي تدخل على العطف ، فهذا وعد عام لجميع للمؤمنين ، (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) للمؤمنين يسرا في الآخرة لا محالة ، وربما اجتمع يسر الدنيا ، ويسر الآخرة.
__________________
(١) الكشاف ٤ / ٧٧١.
(٢) ينظر : السابق ، والمحرر الوجيز ٥ / ٤٩٧ ، والدر المصون ٦ / ٥٤٢.