وقال أبو علي : «سينين» : «فعليل» ، فكررت اللام التي هي نون فيه ، كما كررت في «زحليل» للمكان الزلق ، و «كرديدة» : للقطعة من التمر ، وخنديدة : للطويل.
ولم ينصرف «سينين» كما لم ينصرف «سيناء» لأنه جعل اسما لبقعة ، أو أرض ، ولو جعل اسما للمكان ، أو المنزل ، أو اسم مذكر لانصرف ، لأنك سميت مذكرا بمذكر.
وإنما أقسم بهذا الجبل ، لأنه بالسّنام والأرض المقدسة ، وقد بارك الله فيهما ، كما قال : (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) [الإسراء : ١].
ولا يجوز أن يكون «سينين» نعتا للطور ، لإضافته إليه.
قوله : (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ). يعني «مكة» ، والأمين على هذا «فعيل» للمبالغة ، أي : أمن من فيه ومن [دخله من إنس ، وطير ، وحيوان ، ويجوز أن يكون من أمن للرجل بضم الميم أمانة ، فهو أمين ، وأمانته حفظه من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه ، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول من أمنه ؛ لأنه مأمون الغوائل كما وصف بالأمن في قوله تعالى](١)(أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) [العنكبوت : ٦٧] يعني ذا أمن.
قال القرطبيّ (٢) : «أقسم الله تعالى بجبل «دمشق» ، لأنه مأوى عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وبجبل بيت المقدس ، لأنه مقام الأنبياء ـ عليهمالسلام ، وب «مكة» لأنها أثر إبراهيم ، ودار محمد صلىاللهعليهوسلم».
قوله : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) ، هذا جواب القسم [وأراد بالإنسان الكافر.
قيل : هو الوليد بن المغيرة.
وقيل : كلدة بن أسيد فعلى هذا نزلت في منكري البعث.
وقيل : المراد بالإنسان](٣) : آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وذريته.
وقوله : (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) صفة لمحذوف ، أي : في تقويم أحسن تقويم.
وقال أبو البقاء (٤) : «في أحسن تقويم» في موضع الحال من الإنسان ، وأراد بالتقويم : القوام ؛ لأن التقويم فعل ، وذاك وصف للخالق لا للمخلوق ، ويجوز أن يكون التقدير : في أحسن قوام التقويم ، فحذف المضاف ، ويجوز أن تكون «في» زائدة ، أي : قوّمنا أحسن تقويم انتهى.
فصل في معنى الآية
قال المفسرون : أحسن تقويم ، واعتداله ، واستواء أسنانه ، لأنه خلق كلّ شيء منكبا
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٧٧.
(٣) سقط من ب.
(٤) الإملاء ٢ / ٢٨٩.