فصل في الضمير في عاليهم
قال ابن الخطيب (١) : والضمير في «عاليهم» إما للولدان أو للأبرار.
فكأنهم يلبسون عدة من الثياب ، فيكون الذي يعلوها أفضلها ، ولهذا قال تعالى «عاليهم» أي فوق حجالهم المضروبة عليهم ثياب سندس ، والمعنى : أن حجالهم من الحرير والديباج.
قوله تعالى : (ثِيابُ سُندُسٍ). قرأ العامة : بإضافة الثياب لما بعدها.
وأبو حيوة (٢) وابن أبي عبلة : «ثياب» منونة ، (سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) برفع الجميع ف «سندس» نعت ل «ثياب» ؛ لأن «السندس» نوع ، و «خضر» نعت ل «سندس» يكون أخضر وغير أخضر ، كما أن الثياب تكون سندسا وغيره ، و «إستبرق» نسق على ما قبله ، أي : وثياب إستبرق.
واعلم أن القراء السبعة في «خضر» ، و «إستبرق» على أربع مراتب (٣).
الأولى : رفعهما ، لنافع وحفص فقط.
الثانية : خفضهما ، للأخوين فقط.
الثالثة : رفع الأول ، وخفض الثاني ، لأبي عمرو وابن عامر فقط.
الرابعة : عكسه ، لابن كثير وأبي بكر فقط.
فأما القراءة الأولى : فإن رفع «خضر» على النعت ل «ثياب» ، ورفع «إستبرق» نسق على «الثياب» ولكن على حذف مضاف ، أي : وثياب إستبرق ، ومثله : على زيد ثوب خزّ وكتان ، أي : وثوب كتّان.
وأما القراءة الثانية : فيكون جر «خضر» على النعت ل «سندس».
ثم استشكل على هذا وصف المفرد بالجمع ، فقال مكي : هو اسم جمع.
وقيل : هو جمع «سندسة» ك «تمر وتمرة» ، ووصف اسم الجنس بالجمع يصح ، قال تعالى (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) [الرعد : ١٢] ، و (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر : ٢٠] ، و (مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ) [يس : ٨٠] وإذا كانوا قد وصفوا المحل لكونه مرادا به الجنس بالجمع في قولهم : «أهلك الناس الدينار الحمر والدّرهم البيض» ، وفي التنزيل : (أَوْ
__________________
(١) الفخر الرازي ٣٠ / ٢٢٣.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤١٤ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٩١ ، والدر المصون ٦ / ٤٤٨.
(٣) ينظر في هذه القراءات : السبعة ٦٦٥ ، والحجة ٣٥٦ ، ٣٥٧ ، وإعراب القراءات ٢ / ٤٢٢ ـ ٤٢٤ ، وحجة القراءات ٧٣٩ ـ ٧٤١.