أمروا إلا أن يعبدوا ، أي بأن يعبدوا ، وتقدم تحرير مثله عند قوله تعالى : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) في سورة الأنعام [آية : ٧١]](١).
فصل في معنى الآية
قال المفسرون : المعنى ، وما أمر هؤلاء الكفار في التوراة والإنجيل (إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) ، أي : ليوحدوه ، واللام بمعنى «أن» كقوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) ، ومنه قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) [الزمر : ١١] أي : العبادة ، وفي هذا دليل على وجوب النية في العبادات ، فإن الإخلاص عمل القلب ، وهو أن يراد به وجه الله لا غيره ، وقوله تعالى : (حُنَفاءَ) ، أي : مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام ، وكان ابن عباس يقول : حنفاء : على دين إبراهيم عليهالسلام (٢).
وقيل : الحنيف : من اختتن وحجّ ، قاله سعيد بن جبير.
وقال أهل اللغة : وأصله أنه تحنف إلى الإسلام ، أي : مال إليه.
قوله : (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ) ، أي يصلّوها في أوقاتها (وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) ، أي : يعطوها عند محلها ، وقوله : (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) أي : ذلك الدين الذي أمروا به دين القيمة ، أي : الدين المستقيم ، وقال الزجاج أي : ذلك دين الملة المستقيمة ، و «القيّمة» نعت لموصوف محذوف ، وقيل : «ذلك» إشارة إلى الدين ، أي ذلك الدين الذي أمروا به أي الدين المستقيم أي ذلك دين الأمة القيمة.
وقال محمد بن الأشعث الطالقاني : الكتب القيمة ، لأنها قد تقدمت في الذكر ، قال تعالى: (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) فلما أعادها مع «أل» العهدية ، كقوله تعالى : (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) [المزمل : ١٦] ، وهو حسن.
وقرأ الحسن ، وعبد الله (٣) : «وذلك الدين القيمة» ، والتأنيث حينئذ ، إما على تأويل الدين بالملة ، كقوله : [البسيط]
٥٢٦٤ ـ .......... |
|
سائل بني أسد ما هذه الصّوت (٤) |
وقال الخليل : القيمة جمع القيم ، والقيم والقيمة واحد بتأويل : الصحية ، وإما على أنها تاء المبالغة : ك «علامة».
وقال الفراء : أضاف الدين إلى «القيمة» وهو نعته ، لاختلاف اللفظين ، وعنه أيضا : هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه ، ودخلت الهاء للمدح.
__________________
(١) سقط من : ب.
(٢) ينظر القرطبي (٢٠ / ٩٦).
(٣) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٤٩٥ ، والدر المصون ٦ / ٥٥٢.
(٤) تقدم.