وعيد الكافر ، فقال : أجازيه ، حتى يقول الكافر السابق ذكره : ما للأرض تزلزلت ، نظيره (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران : ١٠٦] ، فذكر سبحانه الطائفتين ، وذكر ما لكل طائفة ، ثم جمع بينهما في آخر السورة بذكر الذرة من الخير ، فإن قيل : «إذا» للوقت ، فكيف وجه البداية بها في السورة؟ الجواب : أنهم كانوا يسألونه عن الساعة ، فقال تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) فإنه تعالى يقول : لا سبيل إلى تعيينها بحسب وقتها ، ولكن أعينه بحسب علاماته ، أو أنه تعالى أراد أن يخبر المكلف أن الأرض تتحدث وتشهد يوم القيامة مع أنها في هذه الساعة جماد ، فكأنه لما قيل : متى يكون ذلك؟ قال تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ).
فصل في معنى الزلزلة
روى عكرمة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه كان يقول : النفخة الأولى تزلزلها (١) ، وهو قول مجاهد ، لقوله تعالى : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) [النازعات : ٦ ، ٧] ، ثم تزلزل ثانية ، فتخرج موتاها ، وهي الأثقال ، وذكر المصدر للتأكيد ، ثم أضيف إلى الأرض ، كقولك : لأعطينّك عطيتك ، أي : عطيتي لك ، وحسن ذلك لموافقة رءوس الآي بعدها.
وهو مصدر مضاف لفاعله ، والمعنى زلزالها الذي تستحق ويقتضيه عظمها.
قال الزمخشري (٢) : «ونحوه قولك : أكرم التقي إكرامه ، وأهن الفاسق إهانته».
قرأ الجمهور : «زلزالها» بكسر الزاي ، والجحدري وعيسى (٣) : بفتحها.
قيل : هما مصدران بمعنى.
وقيل : المكسور مصدر ، والمفتوح اسم ، قاله الزمخشري (٤). وليس في الأبنية «فعلال» يعني غالبا ، وإلا فقد ورد : ناقة جزعال.
قال القرطبيّ (٥) : «والزّلزال ـ بالفتح ـ مصدر ، كالوسواس ، والقلقال والجرجار».
قوله : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها).
قال أبو عبيدة والأخفش : إذا كان الميت في بطن الأرض ، فهو ثقل لها ، وإذا كان فوقها ، فهو ثقل عليها.
وقال ابن عباس ومجاهد : «أثقالها» موتاها ، تخرجهم في النفخة الثانية (٦).
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ١٠٠).
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٨٣.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٥١٠ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٩٦ ، والدر المصون ٦ / ٥٥٤.
(٤) ينظر الكشاف ٤ / ٧٨٣.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ١٠٠.
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٦٥٩) ، عن ابن عباس ومجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» ـ