أحدها : أنها بمعنى «إلى» ، وإنما أوثرت على «إلى» لمراعاة الفواصل ، والمعنى : أوحى لها تحدث أخبارها بوحي الله تعالى لها أي إليها ، والعرب تضع لام الصفة موضع «إلى» ، قال العجّاج يصف الأرض : [الرجز]
٥٢٦٥ ـ أوحى لها القرار فاستقرّت |
|
وشدّها بالرّاسيات الثّبّت (١) |
قاله أبو عبيدة.
الثاني : على أصلها ، «أوحى» يتعدى باللام تارة ، وب «إلى» أخرى ، ومنه البيت.
الثالث : اللام على بابها من العلة ، والموحى إليه محذوف ، وهو الملائكة ، تقديره : أوحى إلى الملائكة لأجل الأرض ، أي : لأجل ما يفعلون فيها.
قال الثوريّ : تحدث أخبارها مما كان عليها من الطّاعات والمعاصي ، وما كان (٢) على ظهرها من خير وشر.
قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(٨)
قوله : (يَوْمَئِذٍ) إما بدل من «يومئذ» قبله ، وإما منصوب ب «يصدر» ، وإما منصوب ب «اذكر» مقدرا. وقوله تعالى : (أَشْتاتاً) : حال من الناس ، وهو جمع «شت» أي : متفرقين في الأمن والخوف والبياض والسواد ، والصدر ضد الورود عن موضع الحساب ، فريق إلى جهة اليمين إلى الجنة ، وفريق إلى جهة الشّمال إلى النار ، لقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) [الروم : ١٤] ، (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) [الروم : ٤٣].
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : «أشتاتا» متفرقين على قدر أعمالهم ، أهل الإيمان على حدة ، وأهل كل دين على حدة (٣).
وقيل : هذا الصدر إنما هو عند النشور ، يصدرون أشتاتا ، من القبور إلى موقف الحساب ليروا أعمالهم في كتبهم ، أو ليروا جزاء أعمالهم ، فإنهم وردوا القبور فدفنوا فيها ثم صدروا عنها ، وقوله تعالى : (أَشْتاتاً) ، أي : يبعثون من أقطار الأرض ، فعلى هذا قوله تعالى : (لِيُرَوْا) متعلق ب «يصدر» ، وعلى القول الأول فيه تقديم وتأخير أي : تحدث أخبارها ، بأن ربّك أوحى لها ، ليروا أعمالهم ، واعترض قوله : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) متفرقين عن موقف الحساب ، وعلى هذا تتعلق ب «أوحى» ، وقرأ العامة : ببنائه للمفعول ، وهو من رؤية البصر ، فتعدى بالهمزة إلى ثان ، وهو أعمالهم ، والتقدير : ليريهم الله أعمالهم.
__________________
(١) ينظر ديوان العجاج ص ٢٦٦ ، واللسان (وحى) والمحتسب ٢ / ٣٣١ ، والبحر ٨ / ٤٩٧ ، والدر المصون ٦ / ٥٥٥.
(٢) في أ : عمل.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ١٠٢).