وكان ذلك لأجل الوقف على آخر السورة غالبا ، أما لو وصلوا آخرها بأول «العاديات» كان الحكم الإشباع ، وهذا مقتضى أصولهم ، وهو المنقول.
وقرأ العامة : «يره» مبنيا للفاعل فيهما.
وقرأ ابن عبّاس والحسن والحسين ابنا علي بن (١) أبي طالب ، وزيد بن علي وأبو حيوة وعاصم والكسائي في رواية الجحدريّ والسلمي وعيسى بن عمر : بضم الياء ، أي : يريه الله إياه.
قال القرطبيّ (٢) : والأولى الاختيار ، لقوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) [آل عمران : ٣٠].
وقرأ عكرمة : «يراه» (٣) بالألف ، إما على تقدير الجزم بحذف الحركة المقدرة ، وإما على توهم أن «من» موصولة. وتقدم هذا في أواخر «يوسف». ومعنى «يره» أي : يرى جزاءه ؛ لأن ما عمله قد مضى وعدم.
وحكى الزمخشري (٤) : أن أعرابيا أخر : «خيرا يره» ، فقيل له : قدمت وأخرت ؛ فقال: [الطويل]
٥٢٦٧ ـ خذا جنب هرشى أو قفاها فإنّه |
|
كلا جانبي هرشى لهنّ طريق (٥) |
انتهى.
يريد : أن التقديم والتأخير سواء ، وهذا لا يجوز ـ ألبتة ـ فإنه خطأ ، فلا يعتد به قراءة. وفي نصب «خيرا ، وشرا» ، وجهان :
أظهرهما : أنهما تمييز لأنه مقدار.
والثاني : أنهما بدلان من مثقال.
فصل في الكلام على هذه الآية
قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : هذه أحكم آية في القرآن وأصدق (٦). وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية ، القائلون بالعموم ومن لم يقل به.
__________________
(١) ينظر : السبعة ٦٩٤ ، والحجة ٦ / ٤٢٩ ، والمحرر الوجيز ٥ / ٥١٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٩٨ ، والدر المصون ٦ / ٥٥٦.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ١٠٣.
(٣) ينظر المحرر الوجيز ٥ / ٥١٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٩٨ ، والدر المصون ٦ / ٥٥٦.
(٤) الكشاف ٤ / ٧٨٤.
(٥) قائله هو عقيل بن علفة ينظر سمط اللالىء ١ / ٤٣٧ ، والكشاف ٤ / ٧٨٥ ، والخزانة ٢ / ٢٧٨ ، واللسان (هرش) ، والدر المصون ٦ / ٥٥٦.
(٦) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ١٠٤).