وأيضا : الغرض بذكر إبل الحج : الترغيب في الحج ، فإن الكنود : هو الكفور ، والذي لم يحج بعد الوجوب موصوف بذلك ، كما في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٩٧].
ومن قال : هي الخيل ، وهو قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك وعطاء وأكثر المحققين ، قال : إنّ النبي صلىاللهعليهوسلم بعث سرية إلى أناس من بني كنانة ، فأبطأ عليه خبرها ، وكان استعمل عليها المنذر بن عمرو الأنصاري ، وكان أحد النقباء ، فقال المنافقون : إنهم قتلوا فنزلت هذه السورة إخبارا للنبي صلىاللهعليهوسلم بسلامتها ، وبشارة له بإغارتها على القوم ، فالمراد : الخيل التي يغزو(١) عليها المؤمنون.
وفي الخبر : «من لم يعرف حرمة فرس الغازي ، ففيه شعبة من النّفاق» ، وعلى هذا القول ، فالسورة مدنية ، لأن الإذن في القتال إنما كان ب «المدينة».
قوله : (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) ، قال عكرمة وعطاء والضحاك : هي الخيل حين توري النار بحوافرها وهي سنابكها (٢).
و «قدحا» يجوز أن يكون مصدرا مؤكدا ؛ لأن الإيراء من القدح ، يقال : قدح فأورى ، وقدح فأصلد.
ويجوز أن يكون حالا ، فالمعنى : «قادحات» ، أي : ضابحات بحوافرها ما توري النار ، ويقال : قدحت الحجر بالحجر ، أي : صككته به.
وقال الزمخشريّ (٣) : انتصب «قدحا» بما انتصب به «ضبحا» وكأنه جوّز في نصبه ثلاثة أوجه : النصب بإضمار فعله ، والنصب باسم الفاعل قبله لأنه ملازمه ، والنصب على الحال ، وتسمى تلك النار التي تخرج من الحوافر : نار الحباحب.
قال : [الطويل]
٥٢٧١ ـ تقدّ السّلوقيّ المضاعف نسجه |
|
وتوقد بالصّفّاح نار الحباحب (٤) |
فصل في معنى الموريات
روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أورت بحوافرها غبارا (٥) ، وهذا يخالف سائر
__________________
(١) في ب : يعدو.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٦٦٧ ـ ٦٦٨) ، عن عكرمة وعطاء والضحاك وقتادة.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦٥٣) ، عن قتادة وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد.
(٣) ينظر : الكشاف ٤ / ٧٨٧.
(٤) البيت للنابغة ينظر ديوانه (١١) ، وابن الشجري ٢ / ٥٨ ، والإيضاح الشعري ص ٥٧٤ ، ومجمع البيان ١٠ / ٨٠٢ ، والمعاني الكبير ص ١٠٨٠ ، واللسان (سلق) ، (حبحب). والدر المصون ٦ / ٥٥٨.
(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ١٠٧).