وقال الزمخشري (١) : «التشديد للتعدية ، والباء مزيدة للتأكيد ، كقوله تعالى : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) [البقرة : ٢٥] وهي مبالغة في وسطن» انتهى.
وقوله : «وهي مبالغة» تناقض قوله أولا للتعدية ، لأن التشديد للمبالغة لا يكسب الفعل مفعولا آخر ، تقول : «ذبحت الغنم» مخففا ، ثم تبالغ فتقول : «ذبّحتها» ـ مثقلا ـ وهذا على رأيه قد جعله متعديا بنفسه ، بدليل جعله الباء مزيدة ، فلا تكون للمبالغة.
فصل في معنى الآية
المعنى : فوسطن بركبانهن العدو ، أي : الجمع الذين أغاروا عليهم.
وقال ابن مسعود : (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) يعني «مزدلفة» ، وسميت جمعا لاجتماع الناس فيها (٢).
ويقال : وسطت القوم أسطهم وسطا وسطة ، أي : صرت وسطهم ، وقد أكثر الناس في وصف الخيل وهذا الذي ذكره الله أحسن.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الخيل معقود في نواصيها الخير» (٣). وقال أيضا : «ظهرها حرز وبطنها كنز».
ويروى أن بنت امرىء القيس أتت النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا رسول الله ، هل أنزل عليك ربّك كلاما في صفة الخيل كلاما أفصح مما قاله جدّي؟ فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «وما قال جدّك»؟ قالت : [الطويل]
٥٢٨٠ ـ مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا |
|
كجلمود صخر حطّه السّيل من عل (٤) |
فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) الآيات فأسلمت.
قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)(٨)
قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ). هذا هو المقسم عليه ، و «لربّه» متعلق بالخبر ، وقدم الفواصل ، والكنود : الجحود.
__________________
(١) الكشاف ٤ / ٧٨٧.
(٢) ينظر تفسير الماوردي (٦ / ٣٢٥).
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) ينظر ديوان امرىء القيس ص ١٩ ، وإصلاح المنطق ص ٢٥ ، وجمهرة اللغة ص ١٢٦ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٩٧ ، ٣ / ٢٤٢ ، ٣٤٣ ، والدرر ٣ / ١١٥ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٣٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٥٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤٥١ ، والشعر والشعراء ١ / ١١٦ ، والكتاب ٤ / ٢٢٨ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٤٩ ، ورصف المباني ص ٣٢٨ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٣ ، وشرح شذور الذهب ص ١٤٠ ، ومغني اللبيب ١ / ١٥٤ ، والمقرب ١ / ٢١٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٢١٠.