قال ابن زيد : سمى الله المال خيرا ، وعسى أن يكون شرا وخيرا ، ولكن الناس يعدونه خيرا ، فسماه الله تعالى خيرا لذلك ، قال تعالى : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) [البقرة : ١٨٠] وسمى الجهاد سوءا ، فقال : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) [آل عمران : ١٧٤] على ما يسميه الناس (١).
الثاني : أن «اللام» للعلة ، أي : وإنه لأجل حبّ المال لبخيل.
وقيل : «اللام» بمعنى «على».
وقال الفراء : أصل نظم الآية أن يقال : وإنه لشديد الحب للخير ، فلما قدم الحب قال : «لشديد» وحذف من آخره ذكر الحب ؛ لأنه قد جرى ذكره ، لرءوس الآي ، كقوله تعالى : (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) [إبراهيم : ١٨] والعصوف : للريح لا للأيام ، فلما جرى ذكر الرّيح قبل اليوم ، طرح من آخره ذكر الريح ، كأنه قال : في يوم عاصف الريح.
قوله تعالى : (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) (١١)
قوله : (أَفَلا يَعْلَمُ). لما عد عليه قبائح أفعاله خوّفه ، فقال : (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ).
العامل في «إذا» أوجه :
أحدها : «بعثر» نقله مكيّ عن المبرّد. وتقدم تحريره في السورة قبلها.
قال القرطبيّ (٢) : العامل في «إذا» : «بعثر» ولا يعمل فيه «يعلم» إذ لا يراد به العلم من الإنسان ذلك الوقت ؛ إنما يراد في الدنيا ، ولا يعمل فيه «خبير» لأن ما بعد «إن» لا يعمل فيما قبلها ، والعامل في «يومئذ» : «خبير» وإن فصل اللام بينهما ؛ لأن موضع اللام الابتداء ، وإنما دخلت في الخبر لدخول «إن» على المبتدأ.
والثاني : ما دل عليه خبر «إن» ، أي : إذا بعثر جوزوا.
والثالث : أنه «يعلم» ، وإليه ذهب الحوفي وأبو البقاء (٣) ، وردّه مكي ، قال : «لأن الإنسان لا يراد منه العلم والاعتبار ذلك الوقت ، وإنما يعتبر في الدنيا ويعلم».
قال أبو حيان (٤) : «وليس بمتضح ، لأن المعنى : أفلا يعلم الآن».
وكان قال قبل ذلك : «ومفعول «يعلم» محذوف ، وهو العامل في الظرف ؛ أي : أفلا يعلم ما مآله إذا بعثر» انتهى.
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٣٠ / ١١٠).
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ١١١.
(٣) الإملاء ٢ / ٢٩٢.
(٤) البحر المحيط ٨ / ٥٠٢.