التسهيل ، ونقل فيه بتحقيق الهمزتين من غير مد.
قوله تعالى : (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) ، «حتّى» غاية لقوله : «ألهاكم» ، وهو عطف عليه ، والمعنى : أي أتاكم الموت ، فصرتم في المقابر زوارا ، ترجعون فيها كرجوع الزائر إلى منزله من جنة أو نار.
وقيل : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) حتى عددتم الأموات.
وقيل : هذا وعيد ، أي : اشتغلتم بمفاخرة الدنيا حتى تزورا القبور ، فتروا ما ينزل بكم من عذاب الله ـ عزوجل ـ و «المقابر» جمع مقبرة ، ومقبرة بفتح الباء وضمها والقبور : جمع قبر ، وسمي سعيد المقبري ؛ لأنه كان يسكن المقابر ، وقبرت الميت أقبره وأقبره قبرا ؛ أي : دفنته ، وأقبرته ، أي : أمرت بأن يقبر.
فصل في معنى ألهاكم
قال المفسرون : معنى الآية : ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت فأنتم على ذلك.
قال ابن الخطيب (١) : فإن قيل : شأن الزائر أن ينصرف قريبا ، والأموات ملازمون القبور ، فكيف يقال : إنه زار القبر؟.
وأيضا : فقوله ـ جل ذكره ـ : (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) إخبار عن الماضي ، فكيف يحمل على المستقبل؟.
فالجواب عن الأول : أنّ سكان القبور ، لا بد أن ينصرفوا منها.
وعن الثاني : أن المراد من كان مشرفا على الموت لكبر أو لغيره كما يقال : إنه على شفير قبره وإما أن المراد من تقدمهم ، كقوله تعالى : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) [البقرة : ٦١].
وقال أبو مسلم : إن الله يتكلم بهذه السورة يوم القيامة تعييرا للكفار ، وهم في ذلك الوقت قد تقدمت منهم زيارة القبور.
فصل في ذكر المقابر
قال القرطبي (٢) : لم يأت في التنزيل ذكر المقابر إلا في هذه السورة.
وفيه نظر ؛ لأنه تعالى قال في سورة أخرى : (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) [عبس : ٢١].
واعلم أن زيارة القبور من أعظم الأدوية للقلب القاسي ، لأنها تذكر الموت ، والآخرة ، وذلك يحمل على قصر الأمل ، والزّهد في الدنيا ، وترك الرغبة فيها.
__________________
(١) الفخر الرازي ٣٢ / ٧٤.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ١١٦.