قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ، فإنّها تزهد في الدّنيا ، وتذكر الآخرة» (١).
وروى أبو هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعن زوّارات القبور (٢).
قال بعض أهل العلم : كان هذا قبل ترخيصه في زيارة القبور ، فلما رخص دخل في الرخصة الرجال والنساء.
وقال بعضهم : إنما كره زيارة القبور للنّساء ، لقلّة صبرهن ، وكثرة جزعهن.
وقال بعضهم : زيارة القبور للرجال متفق عليه ، وأما النّساء فمختلف فيه : أما الشوابّ فحرام عليهن الخروج ، وأما القواعد فمباح لهن ذلك ، وجاز لجميعهن ذلك إذا انفردن بالخروج عن الرجال بغير خلاف لعدم خشية الفتنة.
فصل في آداب زيارة القبور
ينبغي لمن زار القبور أن يتأدب بآدابها ، ويحضر قلبه في إتيانها ، ولا يكون حظّه منها إلا التّطواف فقط ، فإن هذه حالة يشاركه فيها البهائم ، بل يقصد بزيارته وجه الله تعالى ، وإصلاح فساد قلبه ، ونفع الميت بما يتلوه عنده من القرآن ، والدعاء ، ويتجنب المشي على القبور ، والجلوس عليها ، ويسلم إذا دخل المقابر ، وإذا وصل إلى قبر ميته الذي يعرفه سلم عليه أيضا ، وأتاه من تلقاء وجهه ؛ لأنه في زيارته كمخاطبته حيا ، ثم يعتبر بمن صار تحت التراب ، وانقطع عن الأهل والأحباب ، ويتأمل الزائر حال من مضى من إخوانه أنه كيف انقطعت آمالهم ، ولم تغن عنهم أموالهم ومحا التراب محاسن وجوههم ، وتفرقت في القبور أجزاؤهم ، وترمّل من بعدهم نساؤهم ، وشمل ذل اليتم أولادهم ، وأنه لا بد صائر إلى مصيرهم ، وأنّ حاله كحالهم ، ومآله كمآلهم.
[قوله تعالى : (كَلَّا) قال الفراء : أي ليس الأمر على ما أنتم عليه من التفاخر والتكاثر. والتمام على هذا (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) أي سوف تعلمون عاقبة هذا.
قوله تعالى : (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) جعله ابن مالك من التوكيد مع توسّط حرف العطف](٣).
__________________
(١) أخرجه مسلم (٢ / ٦٧٢) ، كتاب الجنائز ، باب : استئذان النبي صلىاللهعليهوسلم ربه في زيارة قبر أمه (١٠٦ / ٩٧٧) ، من حديث بريدة بن الحصيب.
(٢) أخرجه أحمد (٢ / ٣٣٧ ، ٣٥٦) ، والطيالسي (١ / ١٧١) ، رقم (٨١٧) ، والترمذي (١٠٥٦) ، وابن ماجه (١٥٧٦) ، وابن حبان في «صحيحه» رقم (٣١٧٥) ، والبيهقي (٤ / ٧٨) ، وأبو يعلى (١٠ / ٣١٤) ، رقم (٥٩٠٨) ، من حديث أبي هريرة. وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
(٣) سقط من : ب.