وقوله تعالى : (وَعَدَّدَهُ) ، العامة : على تثقيل الدّال الأولى ، وهي أيضا للمبالغة.
وقرأ الحسن والكلبي (١) : بتخفيفها ، وفيه أوجه :
أحدها : أن المعنى جمع مالا ، وعدد ذلك المال ، أي : وجمع عدده ، أي : أحصاه.
والثاني : أن المعنى وجمع عدد نفسه من عشيرته ، وأقاربه وعدده ، وعلى هذين التأويلين اسم معطوف على «مالا» ، أي : وجمع عدد المال ، وعدد نفسه.
والثالث : أن عدده فعل ماض بمعنى عده ، إلا أنه شذّ في إظهاره كما شذّ في قوله : [البسيط]
٥٢٩٣ ـ .......... |
|
إنّي أجود لأقوام وإن ضننوا (٢) |
أي : ضنوا وبخلوا ، فأظهر التضعيف.
و «الذي» بدل من كل أو نصب على الذم ، وإنما وصفه تعالى بهذا الوصف ، لأنه يجري مجرى المسبب والعلة في الهمز واللمز وهو إعجابه بما جمع من المال ، وظنه أن الفضل فيه لأجل ذلك فيستنقص غيره.
فصل في معنى جمع المال
قال المفسرون : «جمع مالا وعدّده» ، أي : أعده لنوائب الدهر ، مثل : كرم ، وأكرم.
وقيل : أحصى عدده. قاله السدي (٣).
وقال الضحاك : أي : أعد ماله (٤) لمن يرثه من أولاده.
وقيل : تفاخر بعدده ، وكثرته ، والمقصود : الذم على إمساك المال على سبيل الطاعة ، كقوله : (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) [ق : ٢٥].
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٥٢١ ، والبحر المحيط ٨ / ٥١٠ ، والدر المصون ٦ / ٥٦٨.
(٢) عجز بيت لقعنب ابن أمّ صاحب وصدره :
مهلا أعاذل قد جربت من خلقي
ينظر الخصائص ١ / ١٦٠ ، ٢٥٧ ، وسمط اللآلىء ص ٥٧٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣١٨ ، والكتاب ٢٩٨ ، ٣ / ٥٣٥ ، ولسان العرب (ظلل) ، و(ضنن) ، والمنصف ١ / ٣٣٩ ، ٢ / ٣٠٣ ، ونوادر أبي زيد ص ٤٤ ، وخزانة الأدب ١ / ١٥٠ ، ٢٤٥ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢٤١ ، وشرح المفصل ٢ / ١٣ ، والمقتضب ١ / ١٤٢ ، ٢٥٣ ، ٣ / ٣٥٤.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦٧٠) ، عن السدي وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
(٤) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٦ / ٣٣٦) ، والقرطبي (٢٠ / ١٢٥).