قال سيبويه : يجوز أن يكون أصل «فيل» : «فعلا» فكسر من أجل الياء ، كما قالوا : أبيض وبيض.
وقال الأخفش : هذا لا يكون في الواحد ، إنما يكون في الجمع ، ورجل فيل الرأي ، أي : ضعيف الرأي والجمع : أفيال ، ورجل فال : أي : ضعيف الرأي ، مخطىء الفراسة ، وقد فال الرأي ، يفيل ، فيولة ، وفيّل رأيه تفييلا : أي : ضعفه ، فهو فيّل الرأي.
فصل في نزول السورة
روي أن أبرهة بن الصباح الأشرم ـ ملك «اليمن» ـ بنى كنيسة ب «صنعاء» لم ير مثلها ، وسمّاها القليس ، وأراد أن يصرف إليها الحاج ، فخرج رجل من بني كنانة مختفيا ، وجعل يبول ويتغوط في تلك الكنيسة ليلا ، فأغضبه ذلك.
وقيل : أجج نارا فحملتها ريح فأحرقتها ، فقال : من صنع هذا؟ فقيل له : رجل من أهل البيت الذي يحج العرب إليه ، فحلف ليهدمنّ الكعبة ، فخرج بجيشه ومعه فيل اسمه محمود ، وكان قويّا عظيما وثمانية أخرى. وقيل : اثنا عشر. وقيل : ألف ، وبعث رجلا إلى بني كنانة يدعوهم إلى حج تلك الكنيسة فقتلت بنو كنانة ذلك الرجل ، فزاد ذلك أبرهة غضبا وحنقا ، فسار ليهدم الكعبة ، فلما بلغ قريبا من «مكة» خرج إليه عبد المطلب ، وعرض عليه ثلث أموال «تهامة» ، ليرجع فأبى ، وقدم الفيل ، فكانوا كلما وجهوه إلى الحرم برك ، وإذا وجهوه إلى «اليمن» ، أو إلى سائر الجهات هرول ، ثم إن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير ، فخرج إليهم بسببها ، فلما رآه أبرهة عظم في عينه ، وكان رجلا جسيما وقيل له : هذا أسد قريش ، وصاحب عير «مكة» ، فنزل أبرهة عن سريره ، وجلس معه على بساطه ، ثم قال لترجمانه : قل له حاجتك ، فلما ذكر حاجته قال له : سقطت من عيني جئت لأهدم البيت الذي هو دينك ، ودين آبائك ، لا تكلمني فيه ، وألهاك عنه ذود لم أحسبها لك ، فقال عبد المطلب : أنا ربّ الإبل ، وإنّ للبيت ربّا سيمنعه ، ثم رجع وأتى البيت ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله تعالى ، ويستنصرونه على أبرهة وجنده ، فقال عبد المطلب : [مجزوء الكامل]
٥٣٠٧ ـ لاهمّ إنّ العبد يم |
|
نع رحله فامنع حلالك |
لا يغلبنّ صليبهم |
|
ومحالهم عدوا محالك |
إن يدخلوا البلد الحرا |
|
م فأمر ما بدا لك (١) |
وقال آخر : [الرجز]
٥٣٠٨ يا ربّ لا أرجو لهم سواكا |
|
يا ربّ فامنع منهم حماكا |
__________________
(١) ينظر الطبري ٣٠ / ١٩٥ ، والكشاف ٤ / ٧٩٨ ، ومجمع البيان ١٠ / ٨٢٢ ، والقرطبي ٢٠ / ١٣٠.