ولا نعلم خلافا في عدم جواز وصف المضمر إلا ما نقل عن الكسائي أنه جوّز وصف ضمير الغائب بضمير آخر ، فلا خلاف في عدم جوازه ، ثم كلامه يؤول إلى التأكيد فلا حاجة إلى العدول عنه.
فصل في مناسبة اتصال الآية بما قبلها
وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه تعالى لما ذكر أصناف الوعد والوعيد بين أن هذا الكتاب يتضمن ما بالناس حاجة إليه ، فليس بسحر ولا كهانة ولا شعر وأنه حقّ.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنزل القرآن متفرقا آية بعد آية ، ولم ينزل جملة واحدة فلذلك قال : «نزّلنا» (١).
قال ابن الخطيب (٢) : المقصود من هذه الآية تثبيت الرسول وشرح صدره فيما نسبوه إليه من كهانة وسحر ، فذكر تعالى أن ذلك وحي من الله تعالى ولا جرم بالغ في تكرار الضمير بعد إيقاعه تأكيدا على تأكيد فكأنه تعالى يقول : إن كان هؤلاء الكفار يقولون : إن ذلك كهانة فأنا الله الملك الحق ، أقول على سبيل التأكيد : إن ذلك وحي حقّ وتنزيل صدق من عندي ، وفي ذلك فائدتان :
إحداهما : إزالة الوحشة الحاصلة بسبب طعن الكفار ؛ لأن الله ـ تعالى ـ عظّمه وصدقه.
والثانية : تقويته على تحمّل مشاق التكليف ، فكأنه ـ تعالى ـ يقول : إني ما نزلت عليك القرآن متفرقا إلا لحكمة بالغة تقتضي تخصيص كل شيء بوقت معين ، وقد اقتضت تلك الحكمة تأخير الإذن في القتال.
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) أي : لقضاء ربك.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : اصبر على أذى المشركين ، ثم نسخ بآية القتال.
وقيل : اصبر لما حكم به عليك من الطّاعات ، أو انتظر حكم الله إذ وعدك بالنصر عليهم ولا تستعجل فإنه كائن لا محالة ، (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً) أي : ذا إثم (أَوْ كَفُوراً) أي : لا تطع الكفار.
روى معمر عن قتادة ، قال : قال أبو جهل : إن رأيت محمدا لأطأنّ على عنقه ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً).(٣)
وقيل : نزلت في عتبة بن أبي ربيعة والوليد بن المغيرة ، وكانا أتيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعرضان عليه الأموال والتزويج على أن يترك ذكر النبوة ففيهما نزلت ، وعرض عليه عتبة
__________________
(١) ينظر القرطبي (١٩ / ٩٦) والطبري (١٢ / ٣٧٣).
(٢) ينظر الفخر الرازي (٣٠ / ٢٢٧).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٧٣) عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٩٠) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.