قوله : (إِيلافِهِمْ) مؤكد للأول تأكيدا لفظيّا ، وأعربه أبو البقاء (١) : بدلا.
قوله : «رحلة» مفعول به بالمصدر ، والمصدر مضاف لفاعله ، أي : لأن ألفوا رحلة ، والأصل : رحلتي الشتاء والصيف ، ولكنه أفرد لأمن اللبس ؛ كقوله : [الوافر]
٥٣٢٠ ـ كلوا في بعض بطنكم تعفّوا |
|
........... (٢) |
قاله الزمخشريّ (٣). وفيه نظر ، لأن سيبويه يجعل هذا ضرورة ، كقوله : [الطويل]
٥٣٢١ ـ حمامة بطن الواديين ترنّمي |
|
.......... (٤) |
قال الليث : الرحلة اسم لارتحال القوم للمسير وقيل : رحلة اسم جنس ، وكانت له أربع رحل ، وجعله بعضهم غلطا ، وليس كذلك.
قال القرطبي (٥) : «رحلة» نصب بالمصدر أي : ارتحالهم رحلة ، أو بوقوع «إيلافهم» عليه ، أو على الظرف ، ولو جعلتها في محل الرفع على معنى هما رحلتا الشتاء ، والصيف ، لجاز.
وقرأ العامة : بكسر الراء ، وهي مصدر.
وأبو السمال (٦) : بضمها ، وهي الجهة التي يرحل إليها ، والشتاء : واد ، شذّوا في النسب إليه ، فقالوا : شتوي ، والقياس : شتائي ، وشتاوي ك «كسائي ، وكساويّ».
فصل في معنى الآية
قال مجاهد في قوله تعالى : (إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) : لا يشق عليهم رحلة شتاء ولا صيف ، منة منه على قريش (٧).
وقال الهروي وغيره : كان أصحاب الإيلاف أربعة إخوة : هاشم ، وعبد شمس ، والمطلب ، ونوفل بنو عبد مناف ، فأما هاشم فإنه كان يؤلف ملك «الشام» ، أي : أخذ منه حبلا وعهدا يأمن به في تجارته إلى «الشام» ، وأخوه عبد شمس كان يؤلف إلى «الحبشة» ، والمطلب إلى «اليمن» ، ونوفل إلى «فارس» ، ومعنى يؤلف : يجير ، فكان هؤلاء الإخوة يسمون المجيرين ، فكان تجّار قريش يختلفون إلى الأمصار ، بحبل هؤلاء الإخوة ، فلا يتعرض لهم.
__________________
(١) ينظر الإملاء ٢ / ٢٩٥.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر الكشاف ٤ / ٨٠٢.
(٤) تقدم.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ١٤٠.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٥١٥ ، والدر المصون ٦ / ٥٧٣.
(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٧٠١) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦٧٨) ، وزاد نسبته إلى الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم.