قوله : (وَسَبِّحْهُ) فيه دليل على عدم صحة قول بعض أهل المعاني والبيان ، أن الجمع بين الحاء والهاء ـ مثلا ـ يخرج الكلم عن فصاحتها ؛ وجعلوا من ذلك قوله : [الطويل]
٥٠٥٠ ـ كريم متى أمدحه أمدحه والورى |
|
معي وإذا ما لمته لمته وحدي (١) |
البيت لأبي تمام ، ويمكن أن يفرق بين ما أنشدوه وبين الآية الكريمة بأن التكرار في البيت هو المخرج عن الفصاحة بخلاف الآية فإنه لا تكرار فيها.
قوله تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٢٩) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(٣١)
قوله تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ). توبيخ وتقريع والمراد أهل «مكة» ، والعاجلة: الدنيا.
واعلم أنه تعالى لما خاطب رسوله صلىاللهعليهوسلم بالتعظيم والأمر والنهي ، عدل إلى شرح أحوال الكفار والمتمردين ، فقال تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) ، ومعناه : إن الذي حمل هؤلاء الكفار على الكفر والإعراض عما ينفعهم في الآخرة ، هو محبتهم اللذات العاجلة والراحات الدنيوية البدنية.
قوله : (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ) ، أي : بين أيديهم ، وقال : «وراءهم» ولم يقل : قدّامهم لأمور :
أحدها : أنهم لما أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه فكأنهم جعلوه وراء ظهورهم.
وثانيها : المراد : يذرون وراءهم مصالح يوم ثقيل ، أي عسير ، فأسقط المضاف.
وثالثها : أن «وراء» يستعمل بمعنى «قدّام» ، كقوله تعالى : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) [إبراهيم : ١٦] (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) [الكهف : ٧٩].
وقال مكي : سمّي «وراء» لتواريه عنك ، فظاهر هذا أنه حقيقة ، والصحيح أنه استعير ل «قدّام».
قوله : «يوما». مفعول ب «يذرون» لا ظرف ، ووصفه بالثقل على المجاز ؛ لأنه من صفات الأعيان لا المعاني.
__________________
(١) قائله ـ كما قال المؤلف بعده ـ هو أبو تمام. ينظر ديوانه ٢ / ١٦٦ ومعاهد التنصيص ١ / ٣٥ ، والدر المصون ٦ / ٤٥١.