قوله : (أَفْواجاً) حال من فاعل «يدخلون».
قال مكي : «وقياسه : «أفوج» إلا أن الضمة تستثقل في الواو فشبهوا «فعلا» ـ يعني بالسكون ـ ب «فعل ـ يعني بالفتح ـ فجمعوه جمعه» انتهى.
أي : أن «فعلا» بالسكون ، قياسه «أفعل» ك «فلس» و «أفلس» إلا أنه استثقلت الضمة على الواو ، فجمعوه جمع «فعل» بالتحريك نحو : جمل ، وأجمال ، لأن «فعلا» بالسكون على «أفعال» ليس بقياس إذا كان فعلا صحيحا ، نحو : فرخ وأفراخ وزند وأزناد ، ووردت منه ألفاظ كثيرة ، ومع ذلك فلم يقيسوه ، وقد قال الحوفي شيئا من هذا.
فصل في الكلام على لفظ الناس
ظاهر لفظ «النّاس» للعموم ، فيدخل كل النّاس أفواجا ، أي : جماعات ، فوجا بعد فوج ، وذلك لما فتحت «مكة» قالت العرب : أما إذ ظفر محمد صلىاللهعليهوسلم بأهل الحرم ، وقد كان الله ـ تعالى ـ أجارهم من أصحاب الفيل ، فليس لكم به يدان ؛ فكانوا يسلمون أفواجا أفواجا أمة بعد أمة.
قال الضحاك : والأمة : أربعون (١) رجلا.
وقال عكرمة ، ومقاتل : أراد بالنّاس أهل «اليمن» (٢) ، وذلك أنه ورد من «اليمن» سبعمائة إنسان مؤمنين طائعين ، بعضهم يؤذنون ، وبعضهم يقرءون القرآن ، وبعضهم يهلّلون ، فسرّ النبي صلىاللهعليهوسلم ، وبكى عمر وابن عباس. وروى عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) وجاء أهل اليمن ، رقيقة أفئدتهم لينة طباعهم ، سخية قلوبهم ، عظيمة خشيتهم ، فدخلوا في دين الله أفواجا (٣).
وروى مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أتاكم أهل اليمن ، وهم أضعف قلوبا ، وأرقّ أفئدة ، الفقه يمان ، والحكمة يمانية» (٤).
وقال صلىاللهعليهوسلم : «إنّي لأجد نفس ربّكم من قبل اليمن» (٥) وفيه تأويلان :
أحدهما : أنه الفرج ، لتتابع إسلامهم أفواجا.
والثاني : معناه أن الله تعالى نفس الكرب عن نبيه صلىاللهعليهوسلم بأهل «اليمن» و [الأنصار](٦).
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ١٥٧).
(٢) ينظر المصدر السابق.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٧٣٠).
(٤) أخرجه البخاري ٧ / ٧٠١ ، كتاب المغازي ، باب : قدوم الأشعريين وأهل اليمن (٤٣٨٨ ـ ٤٣٩٠) ، ومسلم ١ / ٧١ كتاب الإيمان ، باب : تفاضل أهل الإيمان (٢٤ ـ ٥٢) ، والترمذي ٥ / ٦٨٣ ، كتاب المناقب ، باب : فضل أهل اليمن (٣٩٣٥).
(٥) ذكره الحافظ ابن حجر في «تخريج الكشاف» (٤ / ٨١١).
(٦) في أ : الأخبار.