وروى جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنّ النّاس دخلوا في دين الله أفواجا ، وسيخرجون منه أفواجا» (١) ذكره الماوردي.
قال ابن الخطيب (٢) : كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعد ما كانوا يدخلون واحدا واحدا ، واثنين اثنين.
فصل في المراد بدين الله
ودين الله ، هو الإسلام ، لقوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ ، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران : ٨٥] ، وإضافة الدين إلى الاسم الدال على الإلهية ، إشارة إلى أنه يجب أن يعبد لكونه إلها ، وللدين أسماء أخر ، قال تعالى : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الذاريات : ٣٥ ، ٣٦].
ومنها : الصراط ، قال تعالى : (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٥٣].
ومنها : كلمة الله ، ومنها النور : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) [الصف : ٨].
ومنها الهدى ، قال تعالى : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [الأنعام: ٨٨].
ومنها العروة الوثقى (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ) [البقرة : ٢٥٦].
ومنها : الحبل المتين : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) [آل عمران : ١٠٣].
ومنها : حنيفية الله ، وفطرة الله.
فصل في إيمان المقلد
قال جمهور الفقهاء والمتكلمين : إيمان المقلد صحيح ، واحتجوا بهذه الآية ، قالوا : إنه تعالى حكم بصحة إيمان أولئك الأفواج ، وجعله من أعظم المنن على نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم ولو لم يكن إيمانهم صحيحا ، لما ذكره في هذا المعرض ، ثم إنا نعلم قطعا أنهم ما كانوا يعرفون حدوث الأجسام بالدليل ، وإثبات كونه تعالى منزّها عن الجسمية ، والمكان والحيز ، وإثبات كونه تعالى عالما بجميع المعلومات التي لا نهاية لها ، ولا إثبات الصفات ، والتنزيه بالدليل ، والعلم بأن أولئك الأعراب ما كانوا عالمين بهذه الدقائق ضروري ، فعلمنا أن إيمان المقلد صحيح ، لا يقال : إنهم كانوا عالمين بأصول دلائل هذه
__________________
(١) حديث جابر أخرجه أحمد ٣ / ٣٤٣) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦٩٩) ، وعزاه إلى ابن مردويه. وله شاهد من حديث أبي هريرة بلفظ : ليخرجن منه أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا. أخرجه الحاكم (٤ / ٤٩٦) ، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(٢) ينظر الفخر الرازي ٣٢ / ١٤٥.