ولا يجيء ، ولا يذهب إلّا قال : «سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله ، وأتوب إليه» ، قال : «فإنّي أمرت بها» ، ثم قرأ : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ)(١) إلى آخرها.
وقال عكرمة : لم يكن النبي صلىاللهعليهوسلم قط أشدّ اجتهادا في أمور الآخرة ما كان عند نزولها.
وقال مقاتل : لما نزلت ، فقرأها النبي صلىاللهعليهوسلم على أصحابه ، ومنهم أبو بكر وعمر وسعد ابن أبي وقاص ، ففرحوا ، واستبشروا ، وبكى العباس ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما يبكيك يا عمّ».
قال : نعيت إليك نفسك ، قال : «إنّه لكما تقول» ، فعاش بعدها ستين يوما ، ما رئي فيها إلّا ضاحكا مستبشرا (٢).
وقيل : نزلت في «منى» بعد أيام التشريق ، في حجّة الوداع ، فبكى عمر والعباس فقيل لهما : إن هذا يوم فرح ، فقال : لا بل فيه نعي النبي صلىاللهعليهوسلم فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «صدقتما ، نعيت إليّ نفسي».
وروى البخاري ، وغيره عن ابن عبّاس ، قال : كان عمر بن الخطّاب يأذن لأهل بدر ، ويأذن لي معهم ، قال : فوجد بعضهم من ذلك ، فقالوا : يأذن لهذا الفتى معنا ، ومن أبنائنا من هو مثله ، فقال لهم عمر : إنه من قد علمتم ، قال : فأذن لهم ذات يوم ، وأذن لي معهم ، فسألهم عن هذه السورة : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) ، فقالوا : أمر الله ـ جلّ وعزّ ـ نبيهصلىاللهعليهوسلم إذا فتح عليه أن يستغفره ، وأن يتوب إليه ، فقال : ما تقول يا ابن عباس؟.
قلت : ليس كذلك ولكن أخبر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بحضور أجله ، فقال : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) ، فذلك علامة موتك ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) ، فقال عمر ـ رضي الله عنه ـ : تلومونني عليه؟ وفي رواية : قال عمر : «ما أعلم منها إلا ما تقول»(٣).
فصل
فإن قيل : فماذا يغفر للنبي صلىاللهعليهوسلم حتى يؤمر بالاستغفار؟.
فالجواب : كان النبي صلىاللهعليهوسلم يقول في دعائه : «ربّ اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري كلّه ، وما أنت أعلم به منّي ، اللهمّ اغفر لي خطيئتي ، وعمدي ، وجهلي وهزلي ، وكل ذلك عندي اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت ، وما أعلنت ، وما أسررت ، أنت المقدّم ، وأنت المؤخّر ، إنّك على كلّ شيء قدير».
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٧٣١) ، عن أم سلمة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦٩٩) ، وزاد نسبته إلى ابن مردويه.
(٢) ينظر تفسيره القرطبي (٢٠ / ١٥٨).
(٣) أخرجه البخاري في «صحيحه» (٨ / ٦٠٦) ، كتاب التفسير ، باب قوله : فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً رقم (٤٩٧٠) ، من حديث ابن عباس.