السابع : فيه إشارة إلى أن التسبيح والحمد لا يتأخر أحدهما عن الآخر ، ولا يمكن أن يؤتى بهما معا ، ونظيره : من ثبت له حق الشفعة ، وحق الرد بالعيب وجب أن يقول : اخترت الشفعة بردي ذلك المبيع ، كذا هاهنا ، قال : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) ليقع معا ، فيصير مسبحا حامدا في وقت واحد معا.
[فإن قيل : التوبة مقدمة على جميع الطّاعات ، ثم الحمد مقدم على التسبيح ؛ لأن الحمد على النعم ، والنعم سابقة أيضا ، والاستغفار سابق ، ثم التسبيح؟ فالجواب لعله بدأ بالأشرف تنبيها على أن النزول من الخالق إلى الخلق أشرف من الصعود من الخلق إلى الخالق ، أو نبّه بذلك على أن التسبيح والحمد الصادرين من العبد ، إذا قابلا جلال الحقّ وعزته استوجبا الاستغفار ، ولأن التسبيح والحمد إشارة إلى تعظيم أمر الله ، والاستغفار إشارة إلى الشفقة على خلق الله ، فالأول كالصلاة ، والثاني كالزكاة فكما أن الصلاة مقدمة على الزكاة ، فكذا هاهنا](١).
فإن قيل : قوله تعالى : (كانَ تَوَّاباً) بدل من الماضي ، وحاجتنا إلى قبوله في المستقبل وأيضا : هلا قال سبحانه : (غَفَّاراً) [نوح : ١٠] ، كما قال تعالى في سورة نوح عليه الصلاة والسلام.
وأيضا قال تعالى : (نَصْرُ اللهِ) ، وقال : (فِي دِينِ اللهِ) وقال : (بِحَمْدِ رَبِّكَ) ولم يقل : بحمد الله.
فالجواب عن الأول : أن هذا أبلغ كأنه يقول : إني أثنيت على من هو أقبح فعلا منهم كاليهود ، فإنهم بعد ظهور المعجزات الظاهرة العظيمة ، كفلق البحر ، ونتق الجبل ونزول المنّ والسلوى عصوا ربّهم ، وأتوا بالقبائح ، ولما تابوا قبلت توبتهم ، فإذا كنت قابلا لتوبة أولئك ، وهم دونكم ، أفلا أقبل توبتكم ، وأنتم خير أمة أخرجت للنّاس؟ أو لأني شرعت في توبة العصاة ، والشروع ملزم أو هو إشارة إلى تخفيف جنايتهم ، أي : لستم أول من جنى ، والمصيبة إذا عمت خفت ؛ أو كما قيل : [المتقارب]
٥٣٣٩ ـ كما أحسن الله فيما مضى |
|
كذلك يحسن فيما بقي (٢) |
والجواب عن الثاني : لعله خص هذه الأمة بمزيد الشرف ، لأنه لا يقال في صفات العبد : غفار أو يقال : توابا ، ويقال إذا كان آتيا بالتوبة ، فكأنه تعالى يقول : كنت لي سميا من أول الأمر ، أنت مؤمن ، وأنا مؤمن ، وإن اختلف المعنى فتب حتى صرت سميا في آخر الأمر ، فأنت تواب ، وأنا تواب ، ثم التواب في حق الله تعالى أنه يقبل التوبة كثيرا ، فيجب على العبد أن يكون إتيانه بالتوبة كثيرا.
__________________
(١) سقط من : ب.
(٢) ينظر الفخر الرازي ٣٢ / ١٦٣.