قوله تعالى : (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ). أي : هذه السورة موعظة ، (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) أي : طريقا موصّلا إلى طاعته.
وقيل : «سبيلا» أي وسيلة.
وقيل : وجهة وطريقة إلى الخير والمعنى : أنّ هذه السورة لما فيها من الترتيب العجيب ، والوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب تذكرة للمتأملين وتبصرة للمتبصرين.
فصل في قول الجبرية
قال ابن الخطيب (١) : متى ضمت هذه الآية إلى الآية التي بعدها خرج منهما صريح مذهب الجبر ، لأن قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) الآية يقتضي أن مشيئة العبد متى كانت خالصة ، فإنها تكون مستلزمة للفعل ، وقوله تعالى بعد ذلك : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) يقتضي كون مشيئة الله تعالى مستلزمة لمشيئة العبد ، ومستلزم المستلزم مستلزم ، فإن مشيئة الله ـ تعالى ـ مستلزمة لفعل العبد ، وذلك هو الجبر ، وكذا الاستدلال على الجبر بقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] ، لأن هذه الآية أيضا تقتضي كون المشيئة مستلزمة للفعل ، ثم التقدير ما تقدم.
قال القاضي : المذكور هاهنا اتخاذ السبيل إلى الله ـ تعالى ـ وهو أمر قد شاءه ؛ لأنه أمر به فلا بد وأن يكون قد شاءه ، وهذا لا يقتضي أن يقال : العبد لا يشاء إلّا ما قد شاء الله على الإطلاق إذ المراد بذلك الأمر المخصوص الذي قد ثبت أن الله تعالى أراده وشاءه. وهذا الكلام لا تعلق له بالاستدلال الذي ذكرناه ، فحاصل ما ذكره القاضي تخصيص العام بالصّور المتقدمة ، وذلك ضعيف لأن خصوص ما قبل الآية لا يقتضي تخصيص هذا العام لاحتمال أن يكون الحكم في هذه الآية واردا بحيث تعمّ تلك الصورة وغيرها.
قوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه حال ، أي إلّا في حال مشيئة الله تعالى. قاله أبو البقاء.
وفيه نظر : لأن هذا مقدر بالمعرفة إلا أن يريد تفسير المعنى.
والثاني : أنه ظرف.
قال الزمخشري : «فإن قلت : ما محل أن يشاء الله؟.
قلت : النصب على الظرف ، وأصله : إلا وقت مشيئة الله تعالى ، وكذلك قرأ ابن مسعود(٢) : إلا ما يشاء الله ، لأن «ما» مع الفعل ك «إن» معه».
وردّ أبو حيان (٣) : بأنه لا يقوم مقام الظرف إلّا المصدر الصريح ، لو قلت : أجيئك أن
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي ٣٠ / ٢٣٠.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٦٧٦ ، والمحرر الوجيز ٥ / ٤١٥.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٤٠٢.