النصارى من يقول : عيسى ولد الله حقيقة ، ومنهم من يقول : إن الله اتخذه ولدا تشريفا ، فنفى الأمرين.
فصل في الرد على من أسقط «قل هو»
قال القرطبي (١) : وقد أسقط من هذه السورة من أبعده الله وأخزاه ، وجعل النار مقامه ومثواه ، وقرأ : «الله الواحد الصمد» والناس يستمعون ، فأسقط «قل هو» وزعم أنه ليس من القرآن ، وغير لفظ «أحد» ، وادّعى أن هذا هو الصواب ، والذي عليه الناس هو الباطل ، فأبطل معنى الآية ، لأن أهل التفسير قالوا : نزلت الآية جوابا لأهل الشرك ، لما قالوا لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم : صف لنا ربّك أمن ذهب هو أم من نحاس أم من [صفر](٢)؟.
فقال الله تعالى ردا عليهم : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، ففي «هو» دلالة على موضع الرد ، ومكان الجواب ، فإذا سقط بطل معنى الآية ، وصح الافتراء على الله ـ عزوجل ـ والتكذيب لرسوله صلىاللهعليهوسلم.
وروى الترمذي عن أبيّ بن كعب : أن المشركين قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : «انسب لنا ربك» فأنزل الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)(٣) ، والصمد : الذي لم يلد ، ولم يولد ؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وإن الله تعالى لا يموت ، ولا يورث.
وروى أبو العالية : أن النبي صلىاللهعليهوسلم ذكر آلهتهم ، فقالوا : انسب لنا ربك ، قال : فأتاه جبريل بهذه السورة : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(٤).
قال الترمذي : وهذا أصحّ.
قال القرطبيّ (٥) : «ففي هذا الحديث إثبات لفظ ، (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، وعن عكرمة نحوه» (٦).
وقال ابن عباس : «لم يلد» كما ولدت مريم ، و «لم يولد» كما ولد عيسى ، وعزيز ، وهو رد على النصارى ، وعلى من قال : عزيز ابن الله ، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) فقدم خبر كان على اسمها ، لينساق أواخر الآي على نظم واحد (٧).
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ١٦٨.
(٢) في أ : حديد.
(٣) أخرجه الترمذي (٥ / ٤٢١) ، كتاب التفسير ، باب : سورة الإخلاص حديث (٣٣٦٤) ، من طريق أبي سعد عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب به.
(٤) أخرجه الترمذي (٥ / ٤٢١) ، رقم (٣٣٦٤) ، من طريق عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية به ، قال الترمذي وهذا أصح.
(٥) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ١٦٨.
(٦) ينظر تفسير القرطبي (٢٠ / ١٦٨).
(٧) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٦ / ٣٧٢) ، والقرطبي (٢٠ / ١٦٧).