فصل في الكلام على الآية
قال ابن الخطيب (١) : دل العقل على استحالة كونه تعالى ولدا ووالدا ، والأحديّة والصّمديّة يوجبان نفي كونه تعالى والدا ، أو مولودا ، وذكر بعدهما كما ذكر النتيجة بعد الدليل.
قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ). في نصب «كفوا» وجهان :
أحدهما : أنه خبر «يكون» و «أحد» اسمها و «له» متعلق بالخبر ، أي : ولم يكن كفوا له كما تقدم وقد رد المبرد على سيبويه بهذه الآية من حيث إنه يزعم أنه إذا تقدم الظّرف كان هو الخبر ، وهنا لم يجعله خبرا مع تقدمه.
وقد رد على المبرّد بوجهين :
أحدهما : أن سيبويه لم يحتم ذلك بل جوزه.
والثاني : أنا لا نسلم أنّ الظرف هنا ليس بخبر ، بل هو خبر ، ونصب «كفوا» على الحال ، على ما سيأتي بيانه.
وقال الزمخشري (٢) : الكلام العربي الفصيح ، أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم ، وقد نص سيبويه في كتابه على ذلك ، فما باله مقدما في أفصح كلام وأعربه؟
قلت : هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه ، وهذا المعنى مصبّه ومركزه هو هذا الظرف ، فكان لذلك أهم شيء وأعناه ، وأحقه بالتقديم وأحراه.
والثاني : أن ينصب على الحال من «أحد» ؛ لأنه كان صفة ، فلما تقدم عليه نصب حالا و «له» هو الخبر. قاله مكي ، وأبو البقاء (٣) ، وغيرهما.
ويجوز أن يكون حالا من الضمير المستكن في الجار لوقوعه خبرا.
قال أبو حيان بعد أن حكى كلام الزمخشري ومكي (٤) : وهذه الجملة ليست من هذا الباب ، وذلك أن قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) ليس الجار والمجرور فيه تامّا ، إنما هو ناقص ، لا يصلح أن يكون خبرا ل «كان» بل متعلق ب «كفوا» ، وتقدم على «كفوا» للاهتمام به ، إذ فيه ضمير الباري تعالى ، وتوسط الخبر وإن كان الأصل التأخير ؛ لأن تأخير الاسم هو فاصلة ، فحسن ذلك ، وعلى هذا الذي قررناه يبطل إعراب مكي وغيره ، أن «له» الخبر ، و «كفوا» حال من «أحد» لأنه ظرف ناقص ، ولا يصلح أن يكون خبرا ، وبذلك يبطل سؤال الزمخشري وجوابه ، وسيبويه إنما تكلم في الظرف الذي يصلح أن يكون خبرا ، ويصلح أن يكون غير خبر.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣٢ / ١٦٨ ـ ١٦٩.
(٢) الكشاف ٤ / ٨١٨.
(٣) الإملاء ٢ / ٣٩٧.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٥٣٠.