قال الضحاك : الفلق : الخلق كله ، قال : [الرجز]
٥٣٦٤ ـ وسوس يدعو مخلصا ربّ الفلق |
|
سرّا وقد أوّن تأوين العقق (١) |
قال القرطبيّ (٢) : «وهذا القول يشهد له الاشتقاق ، فإن الفلق : الشّق ، يقال : فلقت الشيء فلقا ، أي : شققته ، والتفليق مثله ، يقال : فلقته فانفلق وتفلق ، فكل ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحب ونوى وماء فهو فلق : قال تعالى : (فالِقُ الْإِصْباحِ) [الأنعام : ٩٦] ، وقال ـ عزوجل ـ : (فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) [الأنعام : ٩].
[والفلق مقطرة السمّان ، فأما الفلق بالكسر فهو الداهية ، والأمر العجيب يقال منه : أفلق الرجل وافتلق ، وشاعر مفلق ، وقد جاء بالفلق ؛ قال الشاعر : [الرجز]
٥٣٦٥ ـ واعجبا لهذه الفليقه |
|
هل يذهبنّ القوباء الريقه |
والفلق أيضا : القضيب يشق باثنين ، فيعمل منه قوسان ، يقال لكل منهما : فلق ، وقولهم: جاء بعلق فلق وهي الداهية ، يقال منه أعلقت وأفلقت. أي جئت بعلق فلق ، ومر يفتلق في عدوه أي بالعجب من شدته](٣).
قوله : (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) ، متعلق ب «أعوذ» ، والعامة : على إضافة «شرّ» إلى «ما» ، وقرأ (٤) عمرو بن فايد : «من شرّ» بالتنوين.
وقال ابن عطية (٥) : وقرأ عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة الذين يرون أن الله لم يخلق الشّر : «من شرّ» بالتنوين ، «ما خلق» على النفي وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل انتهى.
ولا يتعين أن تكون «ما» نافية ، بل يجوز أن تكون موصولة بدلا من «شرّ» على حذف مضاف ، أي : من شر شر ما خلق ، عمم أولا ، ثم خصص ثانيا.
وقال أبو البقاء (٦) : و «ما» على هذا بدل من «شر» ، أو زائدة ، ولا يجوز أن تكون نافية ؛ لأن النافية لا يتقدم عليها ما في حيزها ، فلذلك لم يجز أن يكون التقدير : ما خلق من شر ، ثم هو فاسد في المعنى. وهو رد حسن صناعي ، ولا يقال : إن «من شرّ» متعلق ب «أعوذ» وقد أنحى مكي على هذا القائل ، ورده بما تقدم.
و «ما» مصدرية ، أو بمعنى «الذي».
فصل في المقصود بشر ما خلق
روى عطاء عن ابن عباس : يريد إبليس خاصة ؛ لأن الله تعالى لم يخلق أشرّ منه ،
__________________
(١) البيتان لرؤبة بن العجاج. ينظر اللسان (أون) والقرطبي ٢٠ / ١٧٤.
(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ١٧٤.
(٣) سقط من : ب.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٥٣٣ ، والدر المصون ٦ / ٥٩١.
(٥) المحرر الوجيز ٥ / ٥٣٨.
(٦) الإملاء ٢ / ٢٩٧.