أحدها : أنه مفعول من أجله ، أي : لأجل العرف ، وهو ضد النّكر ، فإن الملائكة إن كانوا بعثوا للرحمة ، فالمعنى فيهم ظاهر ، وإن كانوا بعثوا للعذاب فذلك العذاب وإن لم يكن معروفا للكفار فإنه معروف للأنبياء والمؤمنين ، والمراد بالمرسلات ، إما الملائكة ، وإما الأنبياء ، وإما الرياح ، أي : والملائكة المرسلات ، أو والأنبياء المرسلات ، أو والرياح المرسلات. و «العرف» المعروف ، والإحسان ، قال : [البسيط]
٥٠٥٤ ـ من يفعل الخير لا يعدم جوازيه |
|
لا يذهب العرف بين الله والنّاس (١) |
وقد يقال : كيف جمع صفة المذكر العاقل بالألف والتاء ، وحقه أن يجمع بالواو والنون ، نقول : الأنبياء المرسلون ، ولا نقول : المرسلات؟.
والجواب : أن المرسلات جمع مرسلة ، ومرسلة : صفة لجماعة من الأنبياء ، والمرسلات : جمع مرسلة الواقعة صفة لجماعة ، لا جمع مرسل مفرد.
والثاني : أن ينتصب على الحال بمعنى متتابعة ، من قولهم : جاءوا كعرف الفرس ، وهم على فلان كعرف الضبع ، إذا تألبّوا عليه.
قال ابن الخطيب (٢) : يكون مصدرا ، كأنه قيل : والمرسلات إرسالا ، أي متتابعة.
الثالث : أن ينتصب على إسقاط الخافض ، أي : المرسلات بالعرف ، وفيه ضعف ، وقد تقدم الكلام على العرف في الأعراف (٣).
والعامة : على تسكين رائه ، وعيسى (٤) : بضمها ، وهو على تثقيل المخفف ، نحو : «بكّر» في «بكر» ، ويحتمل أن يكون هو الأصل ، والمشهور مخففة منه ، ويحتمل أن يكونا وزنين مستقلين.
فصل في المراد بالمرسلات
جمهور المفسرين على أن «المرسلات» هي الرياح.
وروى مسروق عن عبد الله قال : هي الملائكة أرسلت بالعرف من أمر الله ونهيه والخبر والوحي ، وهو قول أبي هريرة ومقاتل وأبي صالح والكلبي (٥).
__________________
(١) البيت للحطيئة. ينظر ديوانه ص ١٠٩ ، والخصائص ٢ / ٤٨٩ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٨٧ ، والبخلاء ص ٢١٩ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٩٥ ، والدر المصون ٦ / ٤٥٣.
(٢) ينظر : الفخر الرازي : ٣٠ / ٢٣٣.
(٣) آية ٤٦.
(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤١٧ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٩٥ ، والدر المصون ٦ / ٤٥٣.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٧٨) عن ابن مسعود ومسروق وأبي صالح.
وأخرجه الحاكم (٢ / ٥١١) عن أبي هريرة وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٩٢) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.