فصل في تفسير الآية
قال القرطبي (١) : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) أي : عذاب وخزي لمن كذب بالله تعالى وبرسله ، وعلى تقدير تكذيبهم ؛ فإنّ لكل مكذب بشيء عذابا سوى تكذيبه بشيء آخر ، وربّ شيء كذب به وهو أعظم جرما من تكذيبه بغيره ؛ لأنه أقبح في تكذيبه ، وأعظم في الرد على الله تعالى ، فإنما يقسم له من الويل على قدر ذلك ، وهو قوله : (جَزاءً وِفاقاً) [النبأ : ٢٦].
وقيل : كرره لمعنى تكرار التخويف والوعيد.
وروي عن النعمان بن بشير قال : «ويل» واد في جهنم فيه ألوان العذاب ، قاله ابن عباس وغيره (٢).
وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «عرضت عليّ جهنّم فلم أر فيها واديا أعظم من الويل»(٣).
وروي أيضا أنه مجمع ما يسيل من قيح أهل النار وصديدهم ، وإنما يسيل الشيء فيما سفل من الأرض ، وقد علم العباد في الدنيا أن شرّ المواضع في الدنيا ما استنقع فيها مياه الأدناس والأقذار والغسلات من الجيف وماء الحمّامات ، فذكر أن ذلك الوادي مستنقع صديد أهل النّار والشرك ليعلم العاقل أنه لا شيء أقذر منه قذارة ، ولا أنتن منه نتنا.
قوله تعالى : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ). العامة : على ضم حرف المضارعة ، من «أهلك» رباعيّا ، وقتادة : بفتحه (٤).
قال الزمخشري : من هلكه بمعنى «أهلكه» ؛ قال العجاج : [الرجز]
٥٠٥٦ ـ ومهمه هالك من تعرّجا (٥)
ف «من» معمول الهالك ، وهو من «هلك» ، إلّا أن بعض النّاس جعل هذا دليلا على إعمال الصّفة المشبهة في الموصول ، وجعلها من اللازم ؛ لأن شرط الصفة المشبهة أن تكون من فعل لازم ، فعلى هذا لا دليل فيه.
قوله : (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ).
العامة : على رفع العين استئنافا أي : ثم نحن نتبعهم ، كذا قدره أبو البقاء.
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن ١٩ / ٢٠٣.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ١٠٣).
(٣) ينظر المصدر السابق.
(٤) ينظر : الكشاف ٤ / ٦٧٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٩٧ ، والدر المصون ٦ / ٤٥٥.
(٥) تقدم.