وقال : «وليس بمعطوف ، لأن العطف يوجب أن يكون المعنى : أهلكنا الأولين ، ثمّ أتبعناهم الآخرين في الهلاك ، وليس كذلك ؛ لأن هلاك الآخرين لم يقع بعد».
قال شهاب الدين (١) : ولا حاجة في وجه الاستئناف إلى تقدير مبتدأ قبل الفعل ، بل يجعل الفعل معطوفا على مجموع الجملة من قوله : «ألم نهلك» ، ويدل على هذا الاستئناف قراءة (٢) عبد الله : «ثم سنتبعهم الآخرين» بسين التنفيس ، وقرأ الأعرج (٣) والعباس عن أبي عمرو : بتسكينها ، وفيها وجهان :
أحدهما : أنه تسكين للمرفوع ، فهو مستأنف كالمرفوع لفظا.
والثاني : أنه معطوف على مجزوم ، والمعني بالآخرين حينئذ قوم شعيب ولوط وموسى ، وبالأولين قوم نوح وعاد وثمود.
قال ابن الخطيب (٤) : وهذا القول ضعيف ؛ لأن قوله تعالى : (نُتْبِعُهُمُ) مضارع ، وهو للحال والاستقبال ، ولا يتناول الماضي ، وإنما المراد بالأولين : جميع الكفار الذين كانوا في عهد محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقوله : (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) على الاستئناف ، أي : سنفعل ذلك ، ونتبع الأول الآخر ، ويدل على الاستئناف قراءة عبد الله في نتبعهم تدل على الاشتراك ، وحينئذ يكون المراد به الماضي لا المستقبل.
قلنا : لو كان المراد هو الماضي لوقع التنافي بين القراءتين ، وهو غير جائز ، فعلمنا أن تسكين العين ليس للجزم ، بل للتخفيف.
قوله : (كَذلِكَ نَفْعَلُ) أي : مثل ذلك الفعل الشّنيع نفعل بكل من أجرم.
فصل في المراد بالآية
المقصود من هذه الآية تخويف الكفار وتحذيرهم من الكفر ، أخبر عن إهلاك الكفار من الأمم الماضين من لدن آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى محمد ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) أي : نلحق الآخرين بالأولين ، (كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) أي : مثل ما فعلنا بمن تقدم نفعل بمشركي قريش إما بالسيف وإما بالهلاك ، ثم قال تعالى : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) كأنه تعالى يقول : أما الدنيا : فحاصلهم الهلاك ، وأما الآخرة فالعذاب الشديد ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) [الحج: ١١] فإن قيل : المراد من قوله : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) هو مطلق الإماتة ،
__________________
(١) الدر المصون ٦ / ٤٥٦.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٦٧٩ ، والمحرر الوجيز ٥ / ٤١٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٩٧.
(٣) ينظر : السبعة ٦٦٦ ، والحجة ٦ / ٣٦٤ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٩٧.
(٤) ينظر : الفخر الرازي : ٣٠ / ٢٣٩.