وقال بعضهم : هذه الآية أيضا من جملة التهديد ، فإن الكفار في الدنيا يكون الموت عليهم أسهل من أن يكون للمؤمنين دولة ، فإذا رأوا عاقبة الفريقين في الآخرة تضاعف خسرانهم وندمهم ، ولما أوعد الكفار بظل ذي ثلاث شعب ، وعد المؤمنين بظلال وعيون وفواكه.
قوله : (فِي ظُلَلٍ). هذه قراءة العامة.
والأعمش والزهري وطلحة (١) والأعرج : «ظلل» جمع ظلة ، يعني في الجنة. وتقدم في «يونس» (٢) مثل لها.
قوله : (كُلُوا). معمولا لقول ذلك المنصوب على الحال من الضمير المستكن في الظرف ، أي كائنين في ظلال مقولا لهم : وكذلك كلوا وتمتعوا قليلا ، فإن كان ذلك مقولا لهم في الدنيا فواضح ، وإن كان مقولا في الآخرة فيكون تذكيرا بحالهم ، أي حقا بأن يقال لهم في دنياهم كذا ؛ ومثله قوله : [المديد]
٥٠٦٦ ـ إخوتي لا تبعدوا أبدا |
|
وبلى ، والله قد بعدوا (٣) |
أي هم أهل إن دعا لهم بذلك.
قوله (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ). أي : نثيب الذين أحسنوا في تصديقهم بمحمدصلىاللهعليهوسلم وأعمالهم في الدنيا.
فصل في الكلام على الآية
اختلفوا في قوله (كُلُوا وَاشْرَبُوا) هل هو أمر أو إذن؟.
فقال أبو هاشم : هو أمر ، وأراد الله تعالى منهم الأكل والشرب لأن سرورهم يعظم بذلك إذا علموا أن الله تعالى أراده منهم جزاء على عملهم ، فكما يريد إجلالهم وإعظامهم بذلك ، فكذلك يريد نفس الأكل والشرب منهم. وقال أبو علي : ليس بأمر وإنما يقوله على وجه الإكرام ، والأمر والنهي إنما يحصلان في زمان التكليف لا في الآخرة.
فصل فيمن قال : العمل يوجب الثواب
تمسّك من قال : العمل يوجب الثواب بالباء في قوله : (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
قال ابن الخطيب (٤) : وهذا ضعيف ؛ لأن الباء للإلصاق ، ولمّا جعل هذا العمل
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٢٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٠٠ ، والدر المصون ٦ / ٤٦٠.
(٢) آية ٥٦.
(٣) البيت لفاطمة بنت الأحجم الخزاعية. ينظر الحماسة ١ / ٣٨٣ ، والمغني ١ / ٢١٠ ، والكشاف ٤ / ٦٨٢ ، والدر المصون ٦ / ٤٦٠.
(٤) ينظر الفخر الرازي ٣٠ / ٢٤٩.