وقال قوم : إن هذا إنما يكون في الآخرة ، وليست بدار تكليف فيتوجه فيها أمر يكون عليه ويل وعقاب ، وإنما يدعون إلى السجود كشفا لحال الناس في الدنيا ، فمن كان يسجد لله تمكن من السجود ، ومن كان يسجد رياء لغيره صار ظهره طبقا واحدا.
وقيل : إذا قيل لهم : اخضعوا للحق لا يخضعون ، فهي عامّة في الصلاة وغيرها ، وإنما ذكر الصلاة لأنها أصل الشرائع بعد التوحيد ، والأمر بالصلاة أمر بالإيمان لا يصح من غير إيمان.
فصل في المراد بالآية
حكى ابن الخطيب (١) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن المراد بقوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) هو الصلوات ، قال : وهذا ظاهر ، لأن الركوع من أركانها فبين أن هؤلاء الكفار من صفتهم أنهم إذا دعوا إلى الصلاة لا يصلون ، وهذا يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة (٢) ، وأنهم حال كفرهم يستحقّون الذم والعقاب بترك الصلاة ، لأن الله ـ تعالى ـ ذمهم حال كفرهم على ترك الصلاة.
فصل في أن الأمر للوجوب
استدلوا بهذه الآية على أن الأمر للوجوب ، لأن الله ـ تعالى ـ ذمهم بمحمود ترك المأمور به ، وهذا يدل على أن مجرد الأمر للوجوب.
فإن قيل : إنما ذمهم لكفرهم.
فالجواب : أنه ـ تعالى ـ ذمهم على كفرهم من وجوه ، إلا أنه ـ تعالى ـ إنما ذمهم في هذه الآية لترك المأمور به ؛ فدل على أن ترك المأمور به غير جائز.
قوله : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ). متعلق بقوله : (يُؤْمِنُونَ).
والعامة : على الغيبة ، وقرأ ابن عامر في رواية ويعقوب (٣) : بالخطاب على الالتفات ، أو على الانفصال.
فصل في الكلام على الآية
قال ابن الخطيب (٤) : اعلم أنه تعالى لما بالغ في زجر الكفار من أول هذه السورة إلى اخرها في الوجوه العشرة المذكورة ، وحثّ على التمسّك بالنظر والاستدلال ، والانقياد للدين الحق ، ختم السورة بالتعجّب من الكفار ، وبين أنهم إذا لم يؤمنوا بهذه
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٢٥٠.
(٢) في أ : الشرائع.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٢٢ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٠٠ ، والدر المصون ٦ / ٤٦٠.
(٤) الفخر الرازي ٣٠ / ٢٥٠.