وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه أمر النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه لما بعث سأله اليهود عن أشياء كثيرة ، فأخبره الله باختلافهم ، وأيضا فجعل الكفار يتساءلون فيما بينهم ، ما هذا الذي حدث؟ فأنزل الله ـ تعالى ـ «عمّ يتساءلون» وذلك أنّهم عجبوا من إرسال محمد صلىاللهعليهوسلم ، قال تعالى : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) [ق : ٢] ، وعجبوا أن جاءهم بالتوحيد أيضا كما قال تعالى : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) [ص : ٥] ، فحكى الله ـ تعالى ـ عن مسألة بعضهم بعضا على سبيل التعجب بقوله : «عم يتساءلون».
قوله تعالى : (كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٥) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافا)(١٦)
قوله : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) ؛ التكرار للتوكيد.
وزعم ابن مالك : أنّه من باب التوكيد اللفظي ، ولا يضر توسّط حرف العطف ، والنحويون يأبون هذا ، ولا يسمونه إلا عطفا وإن أفاد التأكيد ، والعامة : على الغيبة في الفعلين.
والحسن وابن دينار (١) وابن عامر بخلاف عنه بتاء الخطاب فيهما.
والضحاك (٢) : قرأ الأول كالحسن ، والثاني كالعامة. والغيبة والخطاب واضحان.
فصل في لفظ كلا
قال القفال (٣) : «كلا» لفظة وضعت للردع ، والمعنى : ليس الأمر كما يقوله هؤلاء في النبأ العظيم ، إنه باطل ، وإنه لا يكون.
وقيل : معناه : حقّا ، ثم إنه ـ تعالى ـ كرر ذلك الردع والتهديد ، فقال سبحانه (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) وهو وعيد بأنهم سوف يعلمون أنّ ما يتساءلون عنه ويضحكون منه حق لا دافع له ، وأما تكرير الردع ، فقيل : للتأكيد ، ومعنى «ثمّ» الإشعار بأن الوعيد الثاني أبلغ من الوعيد الأول وأشد.
وقيل : ليس بتكرير.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٤٢٣ ، والدر المصون ٦ / ٤٦٢ ، وينظر الحجة ٦ / ٤٦٧.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٤٠٣ ، والدر المصون ٦ / ٤٠٢.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٣١ / ٥.