وسأثبتك صوره في القتل والارهاب ، وصوره في الغدر والفتك ، فما يغني عنه دفاع ابنخلدون وعده له من أئمة المسملين ، وما يغني مناصرة الدكتور عبدالجبار الجومرد له ، فنفي عنه شرب الخمر ، ولعب النرد ، وما الي ذلك مما هو مستهتر به (١).
بينما لم نجد عصرا بلغ به العبث والتهتك الذروة كعصر الرشيد ، وقد ساد به اللهو والمجون فغمر البلاد وأفسد العباد ، وعمت المحرمات الشرعية ديار الاسلام وأقاليمه بستار رقيق من الادعاء الديني.
يقول العلامة الدكتور مصطفي جواد (رحمه الله) :
«ولو قدر لهارون الرشيد أن يبقي علي أريكة الخلافة أكثر مما بقي لانحطت الدولة الاسلامية الي مستوي سحيق أقبح الانحطاط» (٢).
ومهما يكن من أمر ، فقد بدأ هارون الرشيد خلافته «باخراج من كان في مدينة السلام من الطالبيين الي مدينة الرسول (صلي الله عليه وآله)».
وكان هذا الاجراء دقيقا في نظرته السياسية ، فحكم الرشيد ببغداد بحاجة الي الاستقرار السياسي ، ولابد أن يصفو الجو من المعارضة ، وأن تخلو الساحة من الرافضين لمظالم الحكم ، وهذا التفكير لم يكن بعيدا عن ذهنية الرشيد الأمنية ، ولابد له من تحقيق ذلك ، فبث الرصد والعيون لتتبع أخبار الطالبيين ، وتعقب تحركهم النضالي ضد النظام ، بما أذكي شرارة البغضاء والضغينة بين الحيين ، حتي استطال الظلم الامام موسي بن جعفر (عليهالسلام) وهو غير طامح في سلطان ، ولا طامع في عرش ، ولامتهالك علي حكم ، وكل ما يهمه هو احياء السنة واطفاء البدعة.
ومع الاعراض الواضح للامام عن مظاهر الأبهة والملك ، الا أن الرشيد
__________________
(١) ظ : عبدالجبار الجومرد / هارون الرشيد ١ / ٢٦٧.
(٢) مصطفي جواد / سيدات البلاط العباسي / ٤٨.