قد تحين الفرص وافتعل الحجج لاعتقال الامام مرة بعد مرة ، وعرضه علي السجون تارة بعد أخري.
ومما يحز في النفس أن الرشيد قد يستوقف الامام للاستجواب والمساءلة الغليظة الجافة دون مسوغ شرعي أو عرفي ، حتي استقر رأيه علي القضاء عليه.
وربما قيل ان الرشيد باديء ذي بدء «أكرم الامام وعظمه» (١) ولكن ذلك ان حصل فهو نوع من الدجل السياسي المفضوح ، علي أننا لم نجد شاهدا واحدا يؤكد اكرام الامام واعظامه من قبل الرشيد ، بلي قد تقهره الحقيقة فيعترف بما للامام من فضل وعلم وقيادة.
ومن الوضوح بمكان أن الرشيد كان حاقدا علي الطالبيين بعامة ، وعلي الامام بخاصة ، كما تحدثنا بذلك النصوص المتواترة في أكثر من موقع وموضع حتي لا يدري البحث من أن يبدأ.
كان الامام طيلة أيام الرشيد شديد الحذر ، وكانت الرقابة الصارمة من حوله تقضي بابتعاده عن أوليائه وأصحابه ، حتي أن تلامذته ورواة حديثة حينما يروون احاديثه وأفكاره ، قد يتجنبون التصريح باسمه الشريف ، فيقول أحدهم : حدثني الرجل ، وكتبت الي الرجل ، وأجاب الرجل ، وقد يذكر بكناه فيقال : قال أبوالحسن ، وتحدث أبوابراهيم ، وقد يعبر عنه بما اشتهر من ألقابه عند خاصته ، فيقال : سمعت العبد الصالح ، وقال السيد ، وتحدث (صفحه ١٦٧) العالم ، وروي الكاظم ، وأمثال هذا ، ويدل بوضوح علي مدي الرصد الذي يعاني منه الامام وشيعته ، ولعل ذلك كان بوصية منه (عليهالسلام) حفظا لأوليائه من الخطر وتجنبا لمواطن التهم باستعمال الرموز الدالة عليه دون التصريح بالاسم الرفيع درءا لمكائد هؤلاء الطغاة.
__________________
(١) ابنعنبة / عمدة الطالب / ١٨٥.